الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص116
تحريم ادخار لحوم الأضاحي بعد ثلاث لأجل الدافة ثم على إباحة الادخار بعد الدافة ، والدافة النازلة يقال : دف القوم موضع كذا إذا نزلوا فيه ، فاختلف أصحابنا في معنى هذا النهي والإباحة على وجهين :
أحدهما : أنه نهى تحريم على العموم في المدينة التي دف البادية إليها وفي غيرها حرم به ادخار لحوم الأضاحي بعد ثلاث في جميع البلاد ، وعلى جميع المسلمين وكانت الدافة سبباً للتحريم ولم تكن علة للتحريم ثم وردت الإباحة بعدها نسخاً للتحريم ، فعمل جميع الصحابة بالنسخ إلا علي بن أبي طالب عليه السلام ، فإنه بقي على حكم التحريم في المنع من ادخارها بعد ثلاث ولم يحكم بالنسخ ، لأنه لم يسمعه .
وقد روى الشافعي عن مالك عن أبي الزبير ، عن جابر أن النبي ( ص ) نهى عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة ثم قال : ‘ كلوا وتزودوا وادخروا ‘ فعلى هذا إذا دف قوم إلى بلد من فاقة لم يحرم ادخارهم لحوم الأضاحي لاستقرار النسخ .
والوجه الثاني : أنه نهى تحريم خاص لمعين حادث اختص بالمدينة ومن فيها دون غيرهم لنزول الدافة عليهم ، وكانت الدافة علة لتحريم ثم ارتفع التحريم بارتفاع موجبه ، وكانت إباحة الرسول ( ص ) إخباراً عن السبب ولم تكن نسخاً ، فعلى هذا اختلف أصحابنا إذا حدث مثله في زماننا ، قذف ناس إلى لفاقة ، فهل يحرم على أهله ادخار لحوم الأضاحي لأجلهم لوجود علة التحريم كما حرم عليهم بالمدينة في عهد الرسول الله ( ص ) أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : يحرم عليهم لوجود علة التحريم كما حرم عليهم بالمدينة في عهد الرسول الله .
والوجه الثاني : لا يحرم ، لأن التعليل بالدافة كان لزمان على صفة فصار مقصوراً عليه .
أحدهما : في مقاديرها ، فليس تتقدر في الجواز وإنما تتقدر في الاستحباب ، لأنه لو أكل يسيراً منها وتصدق بباقيها جاز ولو تصدق بيسير منها وأكل باقيها جاز ، فأما مقاديرها في الاستحباب ففيه قولان :
أحدهما : – قاله في القديم – يأكل ويدخر ويهدي النصف ويتصدق على الفقراء بالنصف ، لأن الله تعالى قال : ( فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرِ ) ( الحج : 28 ) .