الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص96
قال الماوردي : أما الصلاة على النبي ( ص ) عند الذبح ، فليست واجبة إجماعاً ، ولا مكروهة عندنا ، واختلف أصحابنا في استحبابها على وجهين :
أحدهما : أشار إليه الشافعي في الأم أنها مستحبة .
والوجه الثاني : هو قول أبي علي بن أبي هريرة أنها غير مستحبة ولا مكروهة ، وكرهها مالك وأبو حنيفة احتجاجاً بما روي عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ موطنان لا أذكر فيهما عند الذبيحة والعطاس ‘ ؛ ولأنه يسير بذكره مما أهل به لغير الله ، فوجب أن يكون مكروهاً ، ودليلنا قول الله تعالى : ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) ( الشرح : 4 ) قيل : معناه لا أذكر إلا ذكرت معي ، وقال تعالى : ( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ) ( الأحزاب : 56 ) الآية فكان عند القرب بالذبائح أولى أن يكون مذكوراً . قال الشافعي : وخشيت أن يكون الشيطان أدخل على بعض أهل الجهالة أن كرهوا الصلاة عليه عند الذبيحة لموضع غفلتهم أو لا يرى لما رواه عبد الرحمن بن عوف قال : كنت مع رسول الله ( ص ) فسبقني ، فجئت فرأيته ساجداً ، فأقمت طويلاً ، فلما رفع رأسه قلت : يا رسول الله لقد خشيت أن يكون الله قبض روحك في سجودك لما أطلت فقال : لما فارقتك لقيني جبريل ، فأخبرني عن الله تعالى أنه قال : من صلى عليك صليت عليه ، فسجدت شكراً لله ‘ وهذا يدل على استحباب الصلاة عليه فكيف يكره ، وروي عن النبي ( ص ) أنه رقي المنبر فقال : آمين فقيل له في ذلك قال : قال لي جبريل : رغم أنف من ذكرت بين يديه فلم يصل عليك ، فقلت آمين ، ثم الثانية فقال : آمين فقيل له في ذلك فقال : قال لي جبريل رغم أنف عبدٍ أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخل الجنة فقلت آمين ، ثم رقي الثالثة فقال : آمين ، فقيل له في ذلك فقال : قال لي جبريل رغم أنف عبدٍ أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فقلت آمين ‘ .
ولأن الصلاة على الرسول إيمان بالمرسل فكيف يكون الإيمان مكروهاً فأما الجواب عن قوله ( ص ) ‘ موطنان ‘ لا أذكر فيهما فمن وجهين :
أحدهما : أنه ليس ينهي عن ذكره وإنما هو على وجه التنبيه على ذكره ، كأنه قال : لم لا أذكر فيهما .
والثاني : أنه لا يذكر فيهما على الوجه الذي يذكر الله تعالى فيه ؛ لأن ذكره في الذبيحة أن يقصد بها وجهه في التقرب إليه ، ولا يجوز أن يذكر رسوله ، وذكره في العطاس حمد له وليس يحمد رسوله عنده ، والصلاة عليه في غير هذين الموضعين ، فلم يتوجه النهي إليها .
فأما الجواب عن قوله إنه يصير مما أهل لغير الله به ، فهو أنه يصير بذبحه لرسول الله ( ص ) ما أهل به لغير الله ولا يكون مما أهل به لله ، ومتى فعل هذا كان حراماً .