الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص49
أحدهما : أن يحصل موته قبل ترديه من الجبل والحائط الشجرة فيحل أكله ؛ لأنه لا تأثير لترديه عن موته .
والحال الثانية : أن لا يعلم موته قبل ترديه ، فأكله حرام ؛ لأنه قد صار من جملة المتردية التي حرمها الله تعالى في كتابه بقوله : ( وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالمَوْقُوذَةُ وَالمُتَرَدِّيَةُ ) ( المائدة : 3 ) ولأن ترديه نادر ، فحرم به كسقوطه في الماء .
ولو رمى طائراً ، فخر إلى الأرض ، واستقبله رجل بسيفه ، فقطعه باثنين حرم أكله إلا أن يكون الجرح قد وحاه في الهوى ، فلا يحرم ؛ لأن قطعه بالسيف قبل التوحية ليس بذكاة ، فصار مستهلكاً له ، فحرم به ، وضمنه لمالكه .
قال الماوردي : أما الذكاة في اللغة ، ففيها ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها التطيب من قولهم : مسكٌ ذكيٌ إذا كان طيب الرائحة ، لكنها في الشرع تطييب الذبيحة بالإباحة .
والوجه الثاني : أنها القطع لكنها في الشرع قطع على صفة مبيحة ، فصارت في الشرع قطعاً خاصاً ، وفي اللغة قطعاً عاماً .
والوجه الثالث : وإليه أشار الشافعي ، أن الذكاة القتل ؛ لأنها لا تستعمل إلا في النفوس ، لكنها في الشرع قتل في محل مخصوص ، فصارت أخص منها في اللغة .
قال الشافعي : وجميع ما قاله الله تعالى : ( أَلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ ) ( المائدة : 3 ) إلا ما قتلتم ، ولكن كان مجوزاً أن يكون ببعض القتل دون بعض ، فلما قال : ( أنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَة ) ( البقرة : 67 ) دل على أن الذكاة المأمور بها الذبح دون غيره ، وكان النحر في معنى الذبح .
فإذا تقرر هذا ، فالذكاة على ضربين في مقدور عليه ، وممتنع .
فإن كانت في مقدور عليه لم تكن إلا ذبحاً في الحلق أو نحراً في اللبة بما يقطع بحده دون ما يخرق بدقه ، وسواء كان بحديد أو بغيره من المحدد إذا مار في اللحم مور الحديد من ليط القصب ، وما حدد من الزجاج ، والحجز ، والخشب ؛ لأن المقصود منها ما قطع بحد ؛ لقول النبي ( ص ) : ‘ ما أنهر الدم وفرى الأوداج فكل ‘ .