الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص47
أحدهما : أنه محمول على الإشكال في الراميين في التقدم ، فيكون بينهما نصفين ، فأما مع معرفة المتقدم منهما ، فيكون للثاني ، ولا يشتركان فيه تعليلاً بما قدمناه .
والجواب الثاني : أنه محمول على الشك في التقدم والاجتماع ، فيكون بينهما لجواز اجتماعهما ، وكلام الشافعي يدفع هذا الجواب ، والأول أشبه .
وأما إباحته الأكل ، فلم يصرح فيه الشافعي هاهنا بشيء ، وإن كان فحوى كلامه من جعله بينهما دليلاً على إباحته ، فاختلف أصحابنا فيه على أربعة أوجهٍ :
أحدها : وهو قول أبي إسحاق المروزي أنه مباح الأكل ؛ لأنه على أصل الامتناع ، فصار على أصل الإباحة ، وهذا تعليل في جعله ملكاً للثاني ، ولم يشتركا فيه .
والوجه الثاني : وهو قول أبي عليّ بن أبي هريرة أنه محرم الأكل ؛ لأنه يجوز أن يثبته الأول ، فيحرم برمي الثاني ، ويجوز أن يثبته الثاني فيحل ، فصار متردداً بين حظر وإباحة ، فغلب حكم الحظر على الإباحة .
والوجه الثالث : أن يقارب بين رمية الأول ، ورمية الثاني حلّ أكله ، وإن تطاول ما بينهما حرم ؛ لأن الذكاة لا تدرك في قريب الزمان ، وتدرك في طويله .
والوجه الرابع : إن كانت الرمية الأولة لا يثبت الصيد بمثلها في الغالب حلّ أكله اعتباراً بالغالب في امتناعه وإثباته .
فإن تنازعا في الملك بالتقدم تحالفا ، وإن تنازعا في الإباحة لم يتحالفا ؛ لأن اليد تدل على الملك ، فتحالفا بها ، ولا تدل على الزكاة ، فلم يتحالفا فيها ، ويحرم أكله على من ادعى تحريمه ، ويحل لمن ادعى تحليله .
فإن جعل لمن ادعى تحريمه لم تؤثر فيه دعوى الإباحة ، وكان حراماً عليه ، وإن جعل لمن ادّعى تحليله لم يؤثر فيه دعوى التحريم ، وكان حلالاً كله ، وإن جعل بينهما كان لمدعي التحليل أن يعاوض على حق منه إلا للمكذب له ، ولم يجز لمدعي التحريم أن يعاوض على حقه منه لمصدق ولا لمكذب .