الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص33
مختلفتي الحكم ؛ فالجراحة الأولة مستجلبة للحكم ، مبيحة للأكل لو انفردت ، والجراحة الثانية مستهلكة للملك محرمة للأكل لو انفردت ، فإذا اجتمعت الجراحتان مع حصول الاستهلاكين والتحريم ، فقد اختلف أصحابنا هل يكون حكم الاستهلاك والتحريم مختصاً بالجراحة الثانية فيكون الثاني ضامناً لجميع القيمة ، ويكون مضافاً إلى الجراحتين والقيمة مقسطة على الجراحتين ؟ على أربعة أوجه :
أحدهما : وهو الظاهر على مذهب الشافعي ، وهو قول جمهور أصحابه ، أن حكم الاستهلاك والتحريم مضافاً إلى الجراحتين ، وأن قيمة الصيد المستهلكة مقسطة على الجارحين ؛ لأن التلف كان لسراية الجراحتين ، فلم يمنع اختلاف حكمهما من تقسيط الضمان عليهما ، كما لو قطع السيد يد عبده في السرقة وقطع أجنبي يده في جناية ، ومات منهما كان على الجاني نصف قيمته ؛ لأنه مات بسراية القطعين ، وإن كان الأول فيهما مباحاً غير مضمن كذلك في هذه الجراحتين .
والوجه الثاني : وهو قول أبي سعيد الإصطخري أن الضمان مختص بالجراحة الثانية ، وعلى الجارح الثاني جميع القيمة بعد الجراحة الأولى ، قال : لأن الجراحة الأولى لما استجلبت الملك ، أباحت الأكل ، ولم يتعلق بها حكم ما لم يوجد فيها من استهلاك وتحريم .
والجراحة الثانية لما استهلكت الملك ، وحرّمت الأكل اختص بها حكم ما يوجد فيها من الاستهلاك والتحريم ؛ لتنافي الحكم في الجراحتين ، فعلق على كل واحدة حكمها .
والوجه الثالث : حكاه أبو عليّ بن أبي هريرة أن ينظر حال الصيد ، فإن حصل في يد صاحبه حيًّا ، فعلى الثاني ، قسطه من القيمة كما قلناه في الوجه الأول لأن الجراحة الأولى مع إدراك حياته قد صارت كالثانية في استهلاكه وتحريمه ، فتقسطت القيمة عليهما ، وإن لم يحصل في يد صاحبه إلا ميتاً ، فعلى الثاني جميع القيمة كما قيل في الوجه الثاني ؛ لأن الجراحة الأولى عند فوات ذكاته لم يكن لها تأثير في استهلاكه ، ولا تحريم .
والوجه الرابع : وهو أظهرها عندي أنه إن مضى في الزمان بين الجراحتين قدر ما يدركه صاحبه . فالقيمة بينهما ، وعلى الثاني قسطه منها كالوجه الأول ؛ لأن مضي زمان إدراكه موجب لتحريمه عند فوات ذكاته ، فاستوت الجرحتان في التحريم فقسطت القيمة عليهما وإن لم يمض بين الجراحتين زمان إدراكه ، والجراحة الثانية هي المختصة بالتحريم ، فاختص الثاني بجميع القيمة كالوجه الثاني ؛ لأن قصور الزمان يمنع من تأثير الأول في التحريم .