الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص27
وقال مالك : لا يحل إلا بالذكاة في الحلق واللبة .
وبه قال من التابعين سعيد بن المسيب .
ومن الفقهاء ربيعة والليث بن سعد ؛ استدلالاً بقول النبي ( ص ) : ‘ الذكاة في الحلق واللبة ‘ .
ولأنه الأصل في الأهلي أنه يذكى ، ولا يفدى بالجزاء ، فلو جاز إذا توحش أن يتغير عن حكم أصله في الذكاة ، فيصير بعقره بعد أن كانت في حلقه ولبته لوجب أن يتغير حكمه في الجزاء ، فيفديه المحرم بعد أن لم يكن مفدياً ، أو لصار الحمار الأهلي إذا توحش مأكولاً ، فلما بقي على أصله في سقوط الجزاء وتحريم الأكل وجب بقاؤه على أصله في الذكاة .
ودليلنا : ما رواه عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج عن أبيه عن جده رافع بن خديج أن بعيراً ند ، فرماه رجلٌ بسهم ، فحبسه ، فقال رسول الله ( ص ) : ‘ إن لهذه الإبل أو قال : للنعم أوابد كأوابد الوحش ، فما غلبكم فاصنعوا به هكذا ‘ فكان في هذا الحديث دليلان :
أحدهما : أن قوله : ‘ فحبسه ‘ أي : قتله ؛ لما روي في خبر آخر : فحبسه الله أي : أماته .
والثاني : قوله : ‘ فاصنعوا هكذا ‘ ولو لم يحل بالرمي لم يأمر به .
لأنه حيوان ممتنع ، فجاز أن يكون عقره ذكاته ، كالوحش .
ولأن ما صح به ذكاة الوحش جاز أن يصح به ذكاة الأهلي كالذبح .
ولأنه اعتبر في ذكاة الأهل حكم أصله إذا ، ولا يكون إلا في الحلق واللبة لوجب أن يعتبر في ذكاة الوحش حكم أصله إذا تأنس فيكون بعقره في غير الحلق واللبة ، وفي بطلان هذا في الوحش إذا تأنس دليل على بطلانه في الإنسي إذا توحش ؛ اعتباراً بالامتناع والقدرة .
فأما الخبر فوارد في المقدور عليه على ما سنورده في سببه .
وأما الجواب عن استدلاله بالجزاء والأكل مع فساده بالوحشي إذا تأنس ، فهو أنهما يخالفان القدرة والامتناع في الزكاة ؛ لأنهما حكمان لازمان لا ينتقلان ، والقدرة والامتناع يتعاقبان ، فيصير مقدوراً عليه بعد أن كان ممتنعاً ، وممتنعاً بعد أن كان مقدوراً عليه ، ولا يصير مأكولاً بعد أن كان غير مأكول ، ولا غير مأكول بعد أن كان مأكولاً ، فافترقا .