پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص21

بغير إرسال لم يحل صيده إلا أن يدرك حياً ، فيذكى ، وهو قول جمهور الفقهاء ، وشذ الأصم وابن جرير الطبري ، فلم يعتبرا الإرسال ؛ لأنه بالتعليم قد صار مرسلاً ، وهذا خطأ ؛ لأن التعليم هو أن لا يسترسل حتى يرسل ، وينزجر عن الاسترسال . فإذا كان كذلك ، واسترسل الكلب لنفسه ، فله مع صاحبه أربعة أحوال :

أحدهما : أن يتركه على استرساله ، ولا يشليه ، ولا يزجره ، فلا يؤكل ما صاده .

والحالة الثانية : أن يزجره ، فلا ينزجر ، فلا يؤكل صيده ؛ لأنه بالإسراع بعد الزجر أسوأ حالاً .

والحالة الثالثة : أن يزجره ثم يشليه ، فيستشلي ، فيؤكل صيده ؛ لأنه صاده بعد الانزجار عن إرساله .

والحالة الرابعة : أن يشليه بعد الاسترسال ، ويغريه بالصيد ، فيمضي على إسراع بعد إشلائه وإغرائه ، سواء زاد إسراعه بالإغراء أو لم يزد ؛ فإنه لا يؤكل .

وقال أبو حنيفة : يؤكل استدلالاً بأن ما تقدم من استرساله قد انقطع بما حدث من إغوائه كما ينقطع زجره قبل إغرائه ، فوجب أن يكون الحكم معتبراً بالآخر دون الأول ؛ ولأنه إذا اجتمع استرسال وإغراء تعلق الحكم بالإغراء دون الاسترسال كالصيد إذا استرسل على طلب ، فأغراه به محرمٌ ضمنه الجزاء تغليباً لحكم الإغراء ، كذلك في إباحة الأكل .

ودليلنا : إن الاسترسال حاظر والإغراء مبيح ، وإذا اجتمع الحظر والإباحة يغلب حكم الحظر على الإباحة ، كما لو اجتمع على إرساله مسلم ومجوسي ؛ ولأن الإغراء بعد الاسترسال موافق له ، فصار مقوياً لحكمه ، وزائداً عليه ، فلم يزد حكمه بالقوة والزيادة ، كما لو أرسله مجوسي وأغراه مسلم ، أو أرسله مسلم وأغراه مجوسي .

فأما الجواب عن قوله : إن الإغراء قد قطع الاسترسال كالزجر ، فإنه إنما يقطع الاسترسال ما خلفه ولا يقطع ما وافقه والزاجر مخالف للاسترسال فصار قاطعاً والإغراء موافق له ، فلم يكن قاطعاً .

وأما الجواب عن قوله : إن اجتماع الاسترسال والإغراء موجب لتغليب حكم الإغراء كالمحرم ، فهو أنه فيه لأصحابنا وجهين :

أحدهما : أنه لا ضمان على المحرم بإغرائه ، تغليباً لحكم الاسترسال ، ويصير دليلاً لنا لا علينا .

والوجه الثاني : يضمن بالإغراء ، وإن لم يصر مأكولاً بالإغراء ؛ لأنه إذا اجتمع في هذا الضمان إيجاب وإسقاط ، يغلب حكم الإيجاب على الإسقاط ، وإذا اجتمع في المأكول حظر وإباحة يغلب حكم الحظر على الإباحة . ألا ترى أن الصيد المتولد من