الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص16
وذهب أبو العباس بن سريج وأكثر البغداديين إلى أنه قد صح ، وثبت ، وأن في إباحة أكله قولين :
أحدهما : وهو منصوص عليه أنه غير مأكول .
والثاني : وهو الموقوف على صحته الخبر أنه مأكول .
وقال أبو حنيفة : إن كان مقيماً على إتباعه وطلبه حتى وجده ميتاً أكل ، وإن تركه وتشاغل عنه ، ثم وجده ميتاً لم يؤكل ؛ لأنه ما دام على طلبه يصل إلى ذكاته مع القدرة ، ولا يصل إليها مع الترك .
وقال مالك : إن وجده في يومه أكل ، وإن وجده بعد انقضاء يومه لم يؤكل ، وفيما نكره من توجيه القولين دليل عليهما في مخالفة القولين ، فإذا قلنا بالأول إنه غير مأكول ، وهو الأظهر فوجهه ما رواه عكرمة أن رجلاً أتى ابن عباس ، فقال له : إني أرمي ، فأصمي وأنمي ، فقال له ابن عباس : ‘ كل ما أصميت ، ودع ما أنميت ‘ يريد بما أصمى ما قتله ، وهو يراه ، وبما أنمى ما غاب عنه ، فلم يره حتى نمى إليه ، خبر موته ، ولأنه لما احتمل مع الغيبة أن يكون موته من عقره ، فيحل ، وأن يكون بغيره من الأسباب ، فيحرم وجب أن يغلب حكم التحريم .
وإذا قلنا في الثاني : إنه مأكول ، فوجهته مع الخبرين ما روى أن النبي ( ص ) مر بالروحاء فإذا هو بحمار وحشي عقير فيه سهمٌ قد مات ، فقال النبي ( ص ) دعوه حتى يأتي صاحبه ‘ ، فجاء رجلٌ من فهر ، فقال : هي رميتي يا رسول الله ، فكلوه ، فأمر رسول الله ( ص ) أبا بكر أن يقسمه بين الرفاق ، وهم محرمون ‘ ، فدل على أن ما غاب لم يحرم ؛ ولأن حكم عقره بالسهم ، والكلب ثابت ، فلم يجز العدول عنه ؛ بتجويز غيره ، كما لو جرح حيواناً فمات قبل اندمال جرحه ، كان ضامناً لقيمته ، وإن جاز أن يموت بغيره ، وكذلك لو جرح إنساناً فمات كان مأخوذاً بالقود ، وإن جاز أن يحدث بعد جرحه سبب يموت به إثباتاً لحكم النفي . وإسقاطاً لحكم الشك ، كذلك حكم الصيد يجب أن يكون منسوباً إلى عقره المتحقق دون ما يطرأ من شك يجوز .
قال الماوردي : وهذا كما قال .
إذا رمى صيداً ، فجرحه أو أرسل عليه كلبه ، فعقره ، ومات من غير ذكاته ، فهذا على ثلاثة أقسام :