الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص12
وروى أبو العشراء الدارمي عن أبيه أنه سأل رسول الله ( ص ) عن المتردية من الإبل في بئر لا نصل إلى منحرها .
فقال : ‘ وأبيك لو طعنت في فخذها أجزأك ‘ ، فعلق الإجزاء بالعقود دون التسمية . فدل على الإباحة .
وقال ( ص ) : ‘ ما أنهر الدم ، وفرى اللأوداج فكل ‘ ؛ ولأن ما يوجد فيه فعل الذكاة ، لم تحرم بترك التسمية كالناس ؛ ولأن ما لم يحرم به ذكاة الناس لم تحرم به ذكاة العامد كالأخرس ؛ ولأن ما لم يكن للذكر شرط في انتهائه لم يكن شرطاً في ابتدائه كالطهارة طرداً والصلاة عكساً ، ولأن ما لم يكن شرطاً في الذكاة مع النسيان ، لم يكن شرطاً فيها مع الذكر كالصلاة على النبي ؛ ولأن الحوت يستباح بتاركها كما يحل الصيد بذكاته ، فلما لم تكن التسمية شرطاً في استباحة الحوت لم تكن شرطاً في استباحة غيره .
فأما الجواب عن الآية فمن وجهين :
أحدهما : أنه حقيقة الذكر بالقلب ؛ لأن ضده النسيان المضاف إلى القلب ، فيكون محمولاً على من لم يوحد الله من عبدة الأوثان .
ألا ترى إلى قوله تعالى : ( وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ) ( الأنعام : 121 ) ، والمشركون هم أولياء الشياطين دون المسلمين .
والثاني : محمول على الميتة ؛ لأمرين :
أحدهما : قوله تعالى : ( وَإنَّهُ لِفِسْقٌ ) ( الأنعام : 121 ) ، وذكاة ما لم يسم عليه لا تكون فسقاً .
والثاني : أن قوماً من المشركين قالوا لرسول الله ( ص ) : تأكلون ما قتلتموه ولا تأكلون ما قتله الله ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية .
وأما الجواب عن الخبر من وجهين :
أحدهما : أن نطق الخبر إباحة الأكل مع التسمية ، ودليل خطابه متروك عندنا بدليل ومتروك عنده بغير دليل ؛ لأنه لا يجعل إثبات الشيء دليلاً على نفي ما عداه .
والثاني : أنه محمول على الاستحباب بدليل ما ذكرناه .
والجواب عما استدل به من ذكاة المجوسي والوثني ؛ لأنه ليس من أهل التسمية ، وهو أنه ليس لهذا المعنى حرم ذكاته ، ولكن لتغليظ كفره ، ولذلك حرمت مناكحته ، وإن لم تكن التسمية شرطاً في النكاح .
وأما صيد السمك فلا يعتبر فيه فعل آدمي ، وذلك حل إذا مات بغير سبب ، وعند