الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص386
التزامه إذا حكم بينهم مخيرين ؛ لعموم الآية ، لاشتراك الفريقين في المخالفة . والقول الثاني وهو أصح اختاره المزني . أنه يجب على حاكمنا أن يحكم بينهم ، ويجب إذا حكم أن يلتزموا حكمه عليهم ؛ لقول الله تعالى : ( حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) [ التوبة : 29 ] والصغار أن يجري عليهم أحكام الإسلام ؛ ولأنهم قد صاروا بالذمة تبعا للمسلمين فجرت عليهم أحكامهم . فإن كان التحاكم بين مسلم ومعاهد أو بين مسلم وذمي وجب الحكم بينهما ، سواء كان المسلم طالبا أو مطلوبا ؛ لأن كل واحد منهما يدعو إلى دينه ، ودين الإسلام هو الحق المطاع .
ولو كان التحاكم بين ذمي ومعاهد لم يجز قولا واحدا تغليبا لحكم الإسقاط . ولو كان بين ذميين من دينين كيهودي ونصراني فعلى وجهين :
أحدهما : أنهما فيه سواء ؛ لأن جميع الكفر ملة واحدة ، فيكون على الوجهين .
والقول الثاني : وهو قول أبي هريرة : أنه يجب الحكم بينهما قولا واحدا ، ويجب عليهما التزامه ؛ لأن اختلاف معتقدهما يوجب قطع التنازع بينهما بالحق .
فأما إن كان المتحاكمان من ملة واحدة على مذهبين مختلفين : أحدهما نسطوري ، والآخر يعقوبي ، فالمعتبر فيه اجتماعهما على أصل الدين ، وهو واحد ، فصارا فيه كالمذهب الواحد ؛ لأن دينهما واحد .
فلو قلد الإمام على أهل الذمة حاكما منهم كان حكمه غير لازم لهم ، وكان فيه كالمتوسط بينهم .
وقال أبو حنيفة : ينفذ حكمه عليهم ؛ لأنهم يلتزمون أحكام شرعهم ، وهذا فاسد من وجهين :
أحدهما : أن صحة المعتقد شرط في نفوذ الحكم ، ومعتقده باطل .
والثاني أنه صحة الحكم شرط في نفوذه ، وحكمهم باطل .
قال الماوردي : وجملة ما يفعله أهل الذمة في بلادنا من عقد وأحكام ينقسم أربعة أقسام :