الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص322
ولذلك أقرت البيع والكنائس في بلاد العنوة .
والوجه الثاني : يملكها المسلمون عليهم ، ويزول عنها حكم البيع والكنائس وتصير ملكا لهم مغنوما لا حق فيها لأهل الذمة ، لأنه ليس لما ابتنوه منها حرمة فدخلت في عموم المغانم ، فعلى هذا إن بيعت عليهم ، لتكون على حالها بيعا وكنائس لهم ، ففي جوازه وجهان :
أحدهما ، يجوز استصحابا لحالها .
والوجه الثاني : لا تجوز لزوالها عنهم بملك المسلمين لها ، فصارت كالبناء المبتدأ .
أحدهما : أن نصالحهم على أن يكون ملك الدار لنا دونهم ، ويسكنون معنا فيها بالجزية ، فينظر في بيعهم وكنائسهم ، فإن استثنوها في صلحهم أقرت عليهم ، لأن الصلح يجوز أن يقع عاما في جميع أرضهم ، وخاصا في بعضهم ، فيقروا عليها بالصلح ، ويمنعوا من استحداث غيرها ، وإن لم يستثنوها في صلح صارت كأرض العنوة هل يملك المسلمون بيعهم وكنائسهم إذا فتحوها ؟ على ما تقدم من الوجهين :
ويكون حكم هذا البلد في منع أهل الذمة في الأقسام الخمسة على ما قدمناه من أحكامنا .
والضرب الثاني : أن نصالحهم على أن يكون ملك الدار لهم دوننا على جزية يؤدونها إلينا ، عن رؤوسهم أو عن أرضهم أو عنهما جميعا فيجوز أن يقروا على بيعهم وكنائسهم ، ويجوز أن يستأنفوا فيها إحداث بيع وكنائس ، لأنه لم يجر عليها للمسلمين ملك .
فأما الأقسام الخمسة التي يؤخذ أهل الذمة بها في بلاد الإسلام ، فيؤخذ هؤلاء في بلدهم بقسمين منها ، وهو الأول والثاني ، لأن الأول هو المقصود بعقد الجزية وهي الأحكام الثلاثة ، لأنهم قد صاروا بهذا الصلح من أهل الجزية .
وبالقسم الثاني : وهي الشروط الستة ، لأنها محرمات منع الشرع منها . فأما الأقسام الثلاثة الباقية من منكراتهم واستعلائهم ، فلا يؤخذ بها ، ولا يمنعوا منها ، لأنها دارهم ، وهي دار منكر في معتقد وفعل ، فكان أقل أحوالهم فيها أن يكونوا مقرين على ما يقرون عليه في بيعهم وكنائسهم في بلاد الإسلام .