الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص314
ومن القياس : أنه مال استقر ثبوته في ذمته ، فوجب أن لا يسقط بإسلامه كالديون
فإن قيل : يبطل بالزوجين الوثنيين إذا أسلم الزوج منهما قبل الدخول سقط عنه صداقها بإسلامه .
قيل : صداقها إنما بطل بوقوع الفرقة كما يبطل صداقها بالردة ، لوقوع الفرقة ألا ترى أن من تكلم في صلاته ، فبطلت بكلامه حل له الكلام ببطلان الصلاة لا بالكلام ؟
فإن قيل : إنما لم يسقط عنه الدين بإسلامه ، لأنه يجوز أن يثبت ابتداؤه في إسلامه ، وسقطت الجزية بإسلامه ، لأنه لا يجوز أن يثبت ابتداؤها في إسلامه .
فالجواب عنه : أنه تبطل علة الأصل بالموت ، لأنه يمنع من ابتداء الدين ، ولا يمنع من استدامته ، وتبطل علة الفرع بالاسترقاق ، ويمنع الإسلام من ابتدائه ، ولا يمنع من استدامته ، ولأن الجزية والخراج مستحقان بالكفر ، لما لم يسقط بالإسلام ما وجب من الخراج لم يسقط به ما وجب من الجزية .
وتحريره قياسا ، أنه مال مستحق بالكفر ، فلم يسقط ما وجب منه بالإسلام كالخراج ، وعبر عنه بعض أهل خراسان بأن ما وجب على الكافر بالالتزام لم يسقط بالإسلام كالخراج ، ولأن الجزية معاوضة عن حقن الدم والمساكنة ، فلم يسقط ما وجب منها بالإسلام كالأجرة .
وأما الجواب عن قوله تعالى ( وهم صاغرون ) [ التوبة 29 ] . فهو أن الصغار علة في الوجوب دون الأداء ، ووجوبها يسقط بالإسلام ، وأداؤها لا يسقط .
وأما الجواب عن قوله تعالى : ( يغفر لهم ما قد سلف ) [ الأنفال : 38 ] فهو أن الغفران مختص بالآثام دون الحقوق .
وأما الجواب عن قوله ( ص )
الإسلام يجب ما قبله
فهو أنه يقطع وجوب ما قبله ، ولا يرفع ما وجب منه .
وأما الجواب عن قوله :
لا جزية على مسلم
فهو أنه محمول على ابتداء
الوجوب دون الاستيفاء .
وأما الجواب عن قياسهم على القتل ، فهو أن الجزية معاوضة ، وليست عقوبة ، ثم هو منتقض بالاسترقاق لا يبطل بالإسلام ، وإن وجب بالكفر ، ثم المعنى في القتل أنه وجب بالإصرار على الكفر ، وقد زال الإصرار بالإسلام ، فلذلك سقط ، والجزية وجبت مفاوضة عن المساكنة ، وتلك المساكنة لم تنزل ، فلم تسقط بالإسلام .