الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص312
والآخر وثنيا لا يقر بالجزية ، فقد اختلف كلام أصحابنا فيه ، لأن الشافعي عطف به على استباحة النكاح والذبيحة عطفا مرسلا ، فخرج عن اختلافهم فيه أربعة أوجه :
أحدها : أن يكون في ذمته ودينه ملحقا بأبيه دون أمه اعتبارا بنسبه ، فعلى هذا إن كان أبوه كتابيا ، فهو كتابي يقر بالجزية وإن كان وثنيا فهو وثني لا يقر بالجزية .
والوجه الثاني : أن يكون في دينه ملحقا بأمه دون أبيه اعتبارا بجزيته ورقه في لحوقه بأمه دون أبيه ، ولحدوثه عن اختلاف الدين ، فعلى هذا إن كانت أمه كتابية ، فهو كتابي يقر بالجزية ، وإن كانت وثنية ، فهو وثني لا يقر بالجزية .
والوجه الثالث : أن يلحق بأثبتهما ديناً كما يلحق بالمسلم منهما دون الكافر ، فعلى هذا إن كان أبوه كتابيا وأمه وثنية ألحق بأبيه ، وجعل كتابيا يقر بالجزية ، وإن كانت أمه كتابية ، وأبوه وثنيا ألحق بأمه ، وجعل كتابيا يقر بالجزية .
والوجه الرابع : أن يلحق بأغلظهما كفرا ، لأن التخفيف رخصة مستثناة ، فعلى هذا أيهما كان في دينه وثنيا ، فهو وثني لا يقر بالجزية سواء كان الوثني منهما أبا أو أما ، وهو ضد الوجه الثالث كما أن الوجه الثاني ضد الوجه الأول .
وأما الحكم الرابع : وهو الدية : إذا قتل ، فهو أن يكون أحد أبويه نصرانيا والآخر مجوسيا ، فهو ملحق في الدية بأكثر أبويه دية سواء كان أبا أو أما ، نص عليه الشافعي في ‘ الأم ‘ .
والفرق بين الدية والنسب من وجهين :
أحدهما : أن الدية لما اختلفت باختلاف الدين ، ولم تختلف باختلاف النسب ، وكان في الدين ملحقا بالمسلم منهما تغليظا كان في الدية ملحقا بأغلظهما دية .
والثاني : أن ما أوجب ضمان النفوس كان معتبرا بأغلظ الحكمين كالمحرم إذا قتل ما تولد من بين وحشي و أهلي و مأكول ، ومحظور لزمه الجزاء تغليظا .
قال الماوردي : وهذا صحيح ، إذا مات الذمي أو أفلس بعد الحول لم تسقط عنه الجزية بموته وفلسه ، وأسقطها أبو حنيفة بموته احتجاجا بأن الجزية عقوبة تسقط عن الميت كالحدود ، لأنه يخرج بالموت من أهل القتال ، فوجب أن تسقط عنه الجزية كالنساء والصبيان .
ودليلنا : هو أنه مال استقر قبوله في ذمته ، فلم يسقط بموته كالديون ، ولأن