الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص303
قال الماوردي : يجوز أن يصالح أهل الذمة على عقد الجزية على ضيافة من يمر بهم من المسلمين ، لما روي أن النبي ( ص ) صالح أكيدر دومه عن نصاري أيلة على ثلاثمائة دينار ، و كانوا ثلاثمائة رجل ، وأن يضيفوا ما مر بهم من المسلمين ثلاثة أيام لا يغشوا مسلما .
وصالح عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – نصارى الشام على أن ضرب عليهم الجزية على أهل الذهب أربعة دنانير ، وعلى أهل الورق ثمانية وأربعون درهما ، وضيافة ثلاثة أيام ؛ ولأنه مرفق يستزاد من المشركين ويستعين به سابلة المسلمين ، وإذا كان كذلك فالكلام في عقد هذه الضيافة مشتمل على ثلاثة فصول :
أحدها : حكمها فيمن يشترط عليه .
والثاني : حكمها فيمن تشترط له .
والثالث : حكم بيانها .
فأما الفصل الأول : فيمن يشترط عليه ، فمعتبر بثلاثة شروط :
أحدها : أن يبذلوها طوعا لا يجبرون عليها ، لأنها عقد مراضاة ، فلم يصح إلا عن اختيار كالجزية ، فإن امتنعوا من الضيافة ، ولم يجيبوا إلى غير الدينار قبل منهم ، وأسقطت الضيافة عنهم كما تسقط عنهم الزيادة على الدينار إذا امتنعوا منها ، فإن امتنع منها بعضهم ، وأجاب إليها بعضهم سقطت عمن امتنع ولزمت من أجاب .
والثاني : أن يكون بهم قوة عليها لا يضعفون عنها إما لخصب بلادهم ، وإما لكثرة أموالهم ، فإن ضعفوا عنها لم يؤخذوا بها ، واختص وجوبها بالأغنياء والمتوسطين دون المقلين ، بخلاف الجزية ، لأن الضيافة تتكرر في السنة ، والجزية لا تتكرر .
والثالث : أن تشترط عليهم بعد جزية رؤوسهم وهو الدينار الذي هو أصل المأخوذ منهم ، ليكون زيادة معونة ومرفق ، فإن جعلت الضيافة هي الجزية ، ولم يؤخذ دينار الجزية ، ففي جوازه لأصحابنا وجهان :
أحدهما : وهو قول أبي إسحاق المروزي ، وأبي علي بن أبي هريرة ، وجمهور