الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص261
الآخرون كما انتفع بها الأولون ، ويكون الخراج ثمنا ويجوز أن تباع ، وتوهب ، وتورث ، قالوا : وإنما كانت مبيعة ، ولم تكن وقفا لأمرين :
أحدهما : أن عمر قصد بما فعله فيها حفظ عمارتها ، ولو كانت وقفا لا يملكها المتصرف ، ويرى أنها ليست ملكا مبيعا موروثا لم يشرع أهلها في تأبيد عمارتها وراعوا ما يتعجلون به استغلالها ، فأفضى ذلك إلى خرابها ، وزوال الغرض المقصود بها
والثاني : أنه لما لم يزل أهلها على قديم الوقت وحديثه ، يتبايعونها ويتوارثونها ، ولا ينكره عليهم أحد من أئمة الأمصار ، ولا يبطله أحد من القضاة والحكام ، ولا يمتنع أحد من العلماء من أهل الديانات أن يتبايعوها ، ويتوارثوها ، دل على انعقاد الإجماع على خروجها من أحكام الوقف إلى أحكام الأملاك .
قالوا : وإنما استجاز عمر بيعها بهذا الثمن المجهول المؤبد لأمرين :
أحدهما : لوصولها من جهة المشركين المعفو عن الجهالة فيما صار منهم ، كما بذل رسول الله ( ص ) في البدأة والرجعة ، الثلث والربع من الغنيمة ، وإن كان قدرها مجهولا ، وكما يجوز أن يبذل لمن دل على القلعة في بلاد الشرك جارية من أهلها ، وإن جهلت .
والثاني : أن ما تعلق بالمصالح العامة يخفف حكم الجهالة فيه ، للجهالة بأحكام العموم .
وإطلاق هذين المذهبين في وقفها وبيعها عندي معلول ، لأن ما فعله عمر فيها لا يثبت بالاجتهاد حتى يكون نقلا مرويا ، وقولا محكيا عن عقد صريح يستوثق فيه بالكتاب والشهادات في الأغلب ، وهذا معدوم فيه ، فلم يصح القطع بوقفها لما عليه الناس من تبايعها ، ولا القطع ببيعها بالخراج المضروب عليها ، لأمرين :
أحدهما : أن الخراج مخالف للأثمان بالجهالة ، وأنه مقدر بالزراعة .
والثاني : أن مشتريها يدفع خراجها دون بائعها ، فيصير دافعا لثمنين ، وليس للمبيع إلا ثمن واحد ، ويكون ما قيل من وقفها محمولا على أنه وقفها على قسمة الغانمين ، ووقف خراجها على كافة المسلمين فيكون ملكها مطلقا لمن أقرت عليه استصحابا لقديم ملكهم ، لما علم من عموم المصلحة فيه ، ودوام الانتفاع به ، فتصير مخالفا للأرض الصلح من وجهين ، وموافقة لها من وجهين .