الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص258
قال الشافعي : أخبرنا الثقة يعني : أبا أسامة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم ، عم جرير بن عبد الله البجلي قال ؛ كانت بجيلة ربع الناس ، فقسم لهم ربع السواد ، فاستغلوه ثلاثا ، أربع سنين شك الشافعي فقدمت على عمر ، ومعي فلانة بنت فلان امرأة منهم قد سماها ، ولم يحضرني ذكر اسمها ، فقال عمر : ‘ لولا أني قاسم مسؤول لتركتكم على ما قسم لكم ، ولكن أرى أن تردوا على الناس ‘ . قال الشافعي : ‘ وكان في حديثه وعافنى من حقي نيفا وثمانين دينارا ، وفي الحديث : فقالت فلانة : قد شهد أبي القادسية ، وثبت سهمه ، ولا أسلم حتى تعطيني كذا وكذا ، فأعطاها إياه .
وروى غير الشافعي ، فقالت أم كرز : لا أنزل عن حقي حتى تحملني على ناقة ذلول عليها قطيفة حمراء ، وتملأ كفي ذهبا ، ففعل ذلك بها ، فكان ما أعطاها من العين ثمانين دينارا فمن ذهب إلى أن السواد فتح صلحا ، فقد أشار الشافعي إليه في كتاب قسم الفيء ، واستدل بهذا الحديث من وجهين :
أحدهما : أن عمر انتزعه من أيدي الغانمين حين علم بحصوله معهم ، ولو كان عنوة لكان غنيمة لهم ، ولم يجز انتزاعه منهم .
والثاني : قول عمر : لولا أني قاسم مسؤول لتركتكم على ما قسم لكم ، فدل على أنه انتزعه منهم بحق لم يستجز تركه معهم ، وهذا حكم الصلح دون العنوة .
وذهب الشافعي إلى أن فتح السواد عنوة ، وهو الذي نص عليه في هذا الموضع المنقول عنه في أكثر كتبه .
والدليل عليه من هذا الحديث خمسة أوجه :
أحدها : أنه أقر السواد في أيدي الغانمين ثلاث سنين ، أو أربع يستغلونه ، ولم ينتزعه منهم ، ولو لم يكن لهم فيه حق الغنيمة لم يستجز تركه عليهم هذه المدة
والثاني : أنهم اقتسموه قسمة الغنائم حتى صار لبجيلة ، وهم ربع الناس ربع السواد ، وما اقتسموه إلا بأمر عمر ، وعن علمه ؛ لأنه من الأمور العامة ، والفتوح العظيمة التي لا يستبد الجيش فيها بآرائهم إلا بمطالعته ، وأمره .
والثاني ؟ : أنهم لو تصرفوا فيه بغير حق لاسترد منهم ما استغلوه ؛ لأنه يكون لكافة المسلمين دونهم .
والرابع : أنه عاوض من لم يطب نفسا بالنزول عن سهمه بعوض دفعه إليهم ، جرى عليه حكم الثمن حتى أعطى جريرا ، وأم كرز ما أعطى ، وهو لا يبذل من مال المسلمين إلا في حق .