الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص176
بالردة بعد قبض الرسول ( ص ) وآمنوا بمسيلمة الكذاب ، فأظهر بما فعل من إحراقهم بالنار ، أعظم العقوبات لارتكابهم أعظم الكفر ثم علم بالنهي فكف وامتنع ، فإن ادعى واحد ممن أمر الإمام بقتله أنه غير بالغ نظر ، فإن لم ينبت شعر عانته قبل قوله ، وإن نبت شعر عانته لم يقبل قوله بغير بينة ، وفي قبول قوله مع البينة قولان بناء على اختلاف قوليه في الإنبات هل يكون بلوغا أو دلالة عليه .
فإن قيل : إنه بلوغ لم تسمع بينته وقتل ، وإن قيل : إنه دلالة على البلوغ سمعت بينته أنه لم يستكمل خمس عشرة سنة ولم يقتل فهذا حكم القتل .
إحداهما : أن يكون ممن يجوز إقراره بالجزية كأهل الكتاب من اليهود والنصارى ، أو من له شبهة كتاب كالمجوس فيجوز أن يسترق ، ويقر على كفره بالرق كما يقر عليه بالجزية .
والحال الثانية : أن يكون ممن لا يقر على كفره بالجزية كعبدة الأوثان . ففي جواز إقراره على كفره بالاسترقاق وجهان :
أحدهما : وهو الظاهر من مذهب الشافعي وسنة الرسول ( ص ) يجوز أن يسترق ، ويقر على كفره بالرق ، وإن لم يقر عليه بالجزية ، لأن كل من جاز إقراره بالأمان جاز إقراره بالاسترقاق ، كالكتابي طردا وكالمرتد عكسا .
والوجه الثاني : وهو قول أبي سعيد الإصطخري إنه لا يجوز إقراره بالاسترقاق كما لا يجوز إقراره بالجزية ، ويبقى خيار الإمام فيه بين القتل أو الفداء أو المن ، ولا فرق على كلا الوجهين بين العرب منهم والعجم .
وقال أبو حنيفة إن كانوا عجما جاز استرقاقهم وإن كانوا عربا وجب قتلهم ولا يجوز استرقاقهم لمبالغة العرب في عداوة رسول الله ( ص ) وإخراجه من بلده ، فصاروا بذلك أغلظ جرما وصار قتلهم محتما ، وهذا خطأ لأمرين :
أحدهما : أن الاسترقاق عقوبة تتعلق بالكفر ، فوجب أن يستوي فيها العربي والعجمي كالقتل .
والثاني : أن كل كافر جاز استرقاقه إذا كان أعجميا ، جاز استرقاقه إذا كان عربيا كأهل الكتاب فهذا حكم الاسترقاق .