الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص165
كانت وقعتهم في آخر الشهر الحرام فتوقفوا فيما صنعوا حتى نزلت ( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه ) وليس مما خالف فيه الأوزاعي في شيء ‘
قال الماوردي : وهذا كما ذكر ، الأولى بالإمام أن يعجل قسمة الغنيمة في دار الحرب ، إذا لم يخف ضررا ، فإن أخرها إلى دار الإسلام كره له ذلك إلا من عذر .
وقال أبو حنيفة : يؤخر قسمها إلى دار الإسلام ، ولا يقسمها في دار الحرب .
وقال مالك : يعجل قسمة الأموال في دار الحرب ، ويؤخر قسم السبي إلى دار الإسلام ، واستدل من منع قسمها في دار الحرب برواية مقسم عن ابن عباس أن النبي ( ص ) قسم غنائم بدر بعد مقدمه إلى المدينة وأعطى عثمان وطلحة بن عبيد الله وعبد الرحمن بن عوف منها ، ولأن عبد الله بن جحش حين غنم ابن الحضرمي بعد قتله لم يقسم غنيمته حتى قدم بها المدينة ، وكانت أول مال غنمه المسلمون .
قالوا : وقد روى مكحول قال : ما قسم رسول الله ( ص ) غنيمته قط في دار الحرب ولا يقول مكحول هذا قطعا وهو تابعي إلا عن اتفاق الصحابة : قالوا : ولأنها في دار الحرب تحت أيديهم ، واستدامة قبضتهم ، فوجب أن يمنعوا من قسمها كما منعوا من بيع ما لم يقبض ، ولأنها في دار الحرب معرضة للاسترجاع فلم يجز قسمها كما لو كانت الحرب قائمة .
ودليلنا ما رواه الشافعي بإسناده أن النبي ( ص ) نفل ابن مسعود سيف أبي جهل ببدر ، والنفل من القسم .
وروى عبد الله بن عمرو بن العاص قال : خرج رسول الله ( ص ) إلى بدر في ثلاثمائة وخمسة عشر رجلا حفاة عراة جياعا فقال رسول الله ( ص ) : ‘ اللهم إنهم حفاة فاحملهم وعراة فاكسهم وجياع فأشبعهم ‘ فانقلب القوم حيث انقلبوا ومع كل واحد منهم الحمل والحملان ، وقد كساهم ، وأطعمهم ، وانقلابهم من بدر بهذا يكون بعد القسمة ، فدل على أنه قسمها ببدر .
وروي أن النبي ( ص ) قسم غنائم بني المصطلق يوم المريسيع على مياههم ، ووقفت جويرية في سهم ثابت بن قيس بن شماس فاشتراها منه ، وأعتقها وتزوجها ، وقسم غنائم خيبر لها ، وعامل عليها أهلها ، وقسم غنائم حنين مع السبي بأوطاس ، وهو وادي حنين ، وأعطى منها المؤلفة قلوبهم ، وقد نقل أهل السير والمغازي أن رسول الله ( ص ) ما غنم غنيمة قط إلا قسمها حيث غنمها ، ولأن كل موضع صحت فيه الغنيمة لم يمنع فيه من القسمة كدار الإسلام ، ولأن كل غنيمة صح قسمها في دار الإسلام لم تكره قسمتها في دار الحرب كالثياب ، فإن أبا حنيفة وافق على تعجيل قسمتها في دار الحرب ، ولأن في تعجيل قسمتها في دار الحرب تعجيل الحقوق إلى