الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص154
والثاني : أنه جعل قبول الجزية مشروطا بالكتاب ، فاقتضى انتفاؤها عن غير أهل الكتاب .
وروى أبو صالح عن أبي هريرة أن النبي ( ص ) قال : ‘ أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم ‘ فكان على عمومه ، إلا ما خصه دليل . ولأن عمر – رضي الله عنه – امتنع من أخذ الجزية من المجوس لشكه فيهم أنهم من أهل الكتاب ، حتى أخبره عبد الرحمن بن عوف أن النبي ( ص ) أخذها من مجوس هجر وقال : ‘ سنوا بهم سنة أهل الكتاب ‘ وقال رجل لعلي بن أبي طالب عليه السلام : ‘ عجبت من أخذ الجزية من المجوس ، وليس لهم كتاب فقال علي : كيف تعجب وقد كان لهم كتاب فبدلوا ، فأسرى به ، فدل ذلك على إجماع الصحابة على أنها لا تؤخذ من غير أهل الكتاب ، ولأن كل مشرك لم تثبت له حرمة الكتاب لم يجز قبول جزيته كالعرب ، ولأن كل ما منع الشرك منه في العرب منع منه العجم كالمناكح والذبائح .
فأما الجواب عن الحديث الأول فمن وجهين :
أحدهما : أنه ضعيف ، نقله أهل المغازي ولم ينقله أصحاب الحديث .
والثاني : حمله على أهل الكتاب بدليلنا
وأما الجواب عن الحديث الثاني فمن وجهين :
أحدهما : أن أكثر السرايا كانت إلى أهل الكتاب .
والثاني : حمله بأدلتنا على أهل الكتاب .
وأما الجواب عن قياسهم على أهل الكتاب فالمعنى فيهم ما ثبت لهم من حرمة كتابهم ، وأنهم كانوا على حق في اتباعه ، وهذا معدوم في غيرهم من عبدة الأوثان ، وقولهم : إنها صغار فكانت بعبدة الأوثان أحق .
قال الماوردي : اعلم أن أهل الكتاب يوافقون عبدة الأوثان في حكمين ويفارقونهم في حكمين فأما الحكمان في الاتفاق :
فأحدهما : أنه يجوز قتل أهل الكتاب كما يجوز قتل عبدة الأوثان .
والثاني : يجوز سبي أهل الكتاب كما يجوز سبي عبدة الأوثان .