الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص146
والضرب الثاني : أن يكون المقصود جماعة ، فذلك ضربان :
أحدهما : أن يكون عدد الجماعة قليلا يعمهم السلام الواحد فليس يحتاج في قصدهم إلى أكثر من سلام واحد يقيم به سنة السلام ، وما زاد عليه من تخصيص بعضهم فهو أدب وليس يلزم رد السلام إلا من واحد ومن زاد عليه فهو من أدب
والضرب الثاني : أن يكون جمعا لا ينتشر فيهم سلام الواحد كالجامع والمسجد الحافل بأهله ، فسنة السلام أن يبتدىء به الداخل في أول دخوله إذا شاهد أوائلهم ويؤدي سنة السلام من جميع سمعه ، ويدخل في فرض الكفاية الرد جميع من سمعه ، فإذا أراد الجلوس فيهم سقطت عنه سنة السلام فيمن لم يسمعه من الباقين ، وإن أراد أن يجلس فيمن بعدهم ممن لم يسمعوا سلامه المتقدم ، ففيه وجهان :
أحدهما : أن سنة السلام عليهم قد سقطت بالسلام على أوائلهم ، لأنهم جمع واحد فإن سلم عليهم كان أدبا ، فعلى هذا إذا أحد أهل المسجد رد عليه سقط به فرض الكفاية عن جميعهم .
والوجه الثاني : أن سنة السلام باقية عليه فيمن لم ينتشر فيهم سلامه إذا أراد الجلوس بينهم لأنهم بسلامه أخص ، فعلى هذا لا يسقط فرض الرد عن الأوائل برد الأواخر ،
وأما القسم الثالث : وهو المختلف فيه فسلام القاصد إذا لزمه الاستئذان على المقصود ، فيؤمر القاصد بالاستئذان والسلام لقول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ) [ النور : 27 ] . وفي قوله : ( حتى تستأنسوا ) تأويلان :
أحدهما : يعني حتى تستأذنوا ، قاله ابن عباس .
والثاني : حتى تعلموا أن فيها من يأذن لكم من قوله : ( آنس من جانب الطور نارا ) [ القصص : 29 ] أي : علم ، قاله ابن قتيبة وفيما يبتدئ به من الاستئذان والسلام وجهان :
أحدهما : يبدأ بالاستئذان قبل السلام لقوله تعالى : ( حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ) [ النور : 27 ] فعلى هذا يكون الاستئذان واجبا والسلام سنة .
والوجه الثاني : أن يبدأ بالسلام قبل الاستئذان ، لأنه وإن كان مقدما في التلاوة فهو مؤخر في الحكم ؛ لرواية محمد بن سيرين : أن رجلا استأذن على رسول الله ( ص ) فقال رسول الله ( ص ) لرجل : ‘ قم ‘ فعلم هذا كيف يستأذن فإنه لم يحسن ، فسمعها الرجل فسلم واستأذن ، والأولى عندي من اختلاف هذين الوجهين أن يكون محمولا على