الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص143
فروى أبو سعيد الخدري أن رسول الله ( ص ) بعث إلى بني لحيان ليخرج من كل رجلين منكم رجل يكون خلف الخارج في أهله وماله ، وله مثل نصف أجر الخارج .
ولأنه لو تعين فرضه لخلت البلاد من أهلها وضاعت الذراري وتعطلت مواد الزراعة والتجارة ، وهذا فساد يعم فكان بالمنع أحق .
فأما الاستدلال بما تقدم فعنه ثلاثة أجوبة :
أحدها : أنه محمول على تعيين فرضه في أول الإسلام قبل نسخه بما بيناه .
والثاني : أنه محمول على من دعاه الرسول ( ص ) في عينه فتأخر عنه .
والثالث : أنه مستعمل فيما لم تقع به الكفاية .
قال الماوردي : وجملته أن قتال العدو ينقسم ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يكونوا مقيمين في بلادهم متشاغلين بأمورهم من مزارع وصنائع ومتاجر ، ففرض جهادهم على الكفاية ، وأقل ما يقاتلوا في كل عام مرة ، فإن كان في ثغرهم أمير مقلدا على غزوهم تعين عليه فرض تجهيزهم في الغزو وتدبيرهم في وقت الخروج على ما يأمنون ضرره من اشتداد حر أو برد ، ويسلك بهم أسهل الطرق وأوطأها وأكثرها ماء ومرعى ، وأقل ما يخرجه إليهم أن يقاتل كل رجل منهم رجلين من عدوهم كما قال الله تعالى : ( إن يكن مائة صابرة يغلبوا مائتين ) [ الأنفال : 66 ] وأكثر ما يخرجه من أهل الثغر أن يخرج من كل رجلين رجلا كما فعل رسول الله ( ص ) في غزوة تبوك ، فإذا استقل ذلك الثغر على هذا التقدير قام بهم فرض الكفاية ، وسقط عن كافة الأمة ما لم يحدث فيتغير هذا التقدير بحسب الحادثة .
والقسم الثاني : أن يسير العدو من بلاده إلى نحو بلاد الإسلام ، فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يكون بغير القتال فيكون حكم قتاله كحكمه لو كان مقيما لم يسر على ما قدمناه من فرض الكفاية في وقت غزوه ، ولكن ينبغي أن يتحرز من مكره في طلب غرة وانتهاز فرصة .
والضرب الثاني : أن يكون بأهبة القتال مستعدا لحرب فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يكون على مسافة يوم وليلة فصاعدا من بلاد الإسلام ، ففرض جهاده