الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص141
عام مرة كالصيام والزكاة ولأن الله تعالى جعل للغزاة سهم سبيل الله في الزكاة ، وفرضها يجب في كل عام مرة فكذلك الجهاد .
قال الماوردي : وهذا صحيح يوجبه الاقتداء بالسلف وتقتضيه السياسة لأن عمر رضي الله عنه مصر البصرة وأسكنها أهل الفيء ليقاتلوا من يليهم ، ومصر الكوفة واسكنها أهل الفيء لقتال من يليهم ؛ ولأن كل قوم أخبر بقتال من يليهم من غيرهم . ولأنهم على انتهاز الفرصة أقدر ؛ ولأن المشقة عليهم أسهل والمؤونة أقل وهكذا يكلف أهل البحر القتال في البحر ؛ لأنهم أخبر به وأعرف ، ولا يكلفهم القتال في البر فيضعفوا عنه ويكلف أهل البر القتال في البر لأنهم به أعرف ولا يكلفهم القتال في البحر فيضعفوا عنه .
وقد روي عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه أنه أغزى في البحر جيشا من المدينة وأمر عليهم عمرو بن العاص ، فلما قدموا عليه سأل عمرو بن العاص عنهم فقال له : ‘ دود على عود بين غرق أو فرق فآلى أن لا يغزى في البحر أحدا منهم . وكتب إليه معاوية يستأذنه في غزو البحر فكتب إليه عمر : إني لا أحمل المسلمين على أعواد نجرها النجار وجلفظها الجلفاظ ، يحملهم عدوهم إلى عدوهم ، والجلفاظ : الذي يشيد أعواد السفن .
وفي قوله : يحملهم عدوهم إلى عدوهم تأويلان :
أحدهما : أن الملاحين كانوا إذ ذاك كفارا يحملونهم إلى الكفار .
والثاني : أن البحر عدو راكبه يحملهم إلى أعدائهم من الكفار ، والله أعلم بالصواب .