الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص138
الأبعد الأخوف فلا بأس أن يبدأ به على معنى الضرورة التي يجوز فيها ما لا يجوز في غيرها ‘ .
قال الماوردي : اعلم أن على الإمام في جهاد المشركين حقين :
أحدهما : تحصين بلاد الإسلام منهم .
والثاني : قتالهم في ديارهم . فيبدأ الإمام قبل قتالهم بتحصين بلاد الإسلام منهم ؛ ليأمنوا فيها على نفوسهم وذراريهم ، وأموالهم .
وتحصينها يكون بأربعة أمور :
أحدها : أن يشحن ثغورها من المقاتلة بمن يقوم بقتال من يليها .
والثاني : أن يقوم بمواردهم بحسب أحوالهم في الانقطاع إلى القتال أو الجمع بينه و بين التكسب .
والثالث : أن يبني حصونهم حتى يمتنعوا إليها من العدو إن طرقهم أو طلب غرتهم لتكون لهم ولذراريهم ملجأ يستدفعون به عدوهم .
والرابع : أن يقلد عليهم أميرا يحميهم في المقام ، ويدربهم في الجهاد ولا يجعلهم فوضى فيختلفوا ويضعفوا ، وتقليد هذا الأمر يصح إذا تكاملت فيه أربعة شروط :
أحدها : أن يكون مسلما لأنه يقاتل على دين إن لم يعتقده لم يؤمن عليه مع قول الله تعالى : ( لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ) [ المائدة : 51 ]
والثاني : أن يكون مأمونا على من يليه من الجيش أن يخونهم وعلى من يقاتله من العدو أن يعينهم ؛ لأنه مستحفظ عليهم ، فاعتبرت فيه الأمانة كولي اليتيم .
والثالث : أن يكون شجاعا في الحرب يثبت عند الهرب ويقدم عند الطلب ؛ لأنه معد لهما فوجب أن يعتبر فيه آلتهما .
والرابع : أن يكون ذا رأي في السياسة والتدبير ، يسوس الجيش على اتفاق الكلمة في الطاعة ، ويدير الحرب في انتهاز الفرصة ، وأمن الغرة ، لأنه مندوب لهما فاعتبر فيه موجبهما .
فإذ تكاملت فيه هذه الشروط الأربعة كانت ولايته على ضربين :
ولاية تنفيذ وولاية تفويض .
فأما ولاية التنفيذ فهي ما كانت موقوفة على رأي الإمام في تنفيذ أوامره فتصح ولايته بتكامل الشروط الأربعة وإن كان عبدا من غير أهل الاجتهاد .