الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص122
مقصود الجهاد التعرض للشهادة ، فخالف غيره من الأسفار التي لا يتعرض للشهادة فيها ، فصار من عليه الدين غير موصوف بفرض الجهاد عليه ولا بسقوطه عنه لوقوفه على إذن ربه ، فإن أذن صار من أهل الجهاد ، وإن لم يأذن خرج منهم ، وإذا جاهد بإذن صاحب الدين لم يتعرض للشهادة ، ولم يتقدم أمام الصفوف ووقف في وسطها أو حواشيها ليتحفظ الدين بحفظ نفسه ، وهو اختيار الشافعي ، فإن رجع صاحب الدين عن إذنه كان كالذي مضى في حدوث الأعذار .
قال الماوردي : وهذا صحيح ، إذا كان للمجاهد أبوان مسلمان لم يكن له أن يجاهد إلا بإذنهما لقول الله تعالى : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ) [ الإسراء : 23 ] فجمع بين طاعته وطاعة الوالدين ، ثم قال : ( إما يبلغن عندك الكبر أحدهما : أو كلاهما فلا تقل لهما أف ) [ الإسراء : 23 ] . يعني : حين ترى منهما الأذى وتميط عنهما القذى ، فلا تضجر كما كانا يميطانه عنك صغيرا من غير ضجر ، وفي هذا الأف تأويلان :
أحدهما : أنه كل ما غلظ من الكلام وقبح ، قاله مقاتل .
والثاني : أنهما كلمة تدل على التبرم والضجر ، خرجت مخرج الأصوات المحكية والعرب تقول : أف وتف ، والأف في اللغة وسخ الأذن ، والتف وسخ الأظفار ، ( ولا تنهرهما ) [ الإسراء : 23 ] . فيه تأويلان :
أحدهما : لا ترد عليهما قولا .
والثاني : لا تنكر منهما فعلا ، ( وقل لهما قولا كريما ) فيه تأويلان :
أحدهما : لينا .
والثاني : حسنا ، ( واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ) [ الإسراء : 24 ] . فيه تأويلان :
أحدهما : أنه الخضوع لهما .
والثاني : ترك الاستعلاء عليهما ، مأخوذ من علو الطائر بجناحه ، والمراد بالرحمة الحنو والشفقة ، فدل عموم ما أمر به من طاعتهما على أن يرجع في الجهاد إليهما .