الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص121
فيه شروط الجهاد ، ولزمه فرضه لأن له في بيت المال حقا .
وإن بذله غير الإمام من ماله لم يلزمه قبوله لأنه لا يجب عليه قبول المال لالتزام الفرض ، كما لا يلزمه قبوله في الحج ، فإن قبله لزمه فرض الجهاد بعد القبول ، والله أعلم .
قال الماوردي : وهذا صحيح إذا كان على رجل من أهل الجهاد دين لم يخل دينه من أن يكون حالا أو مؤجلا .
فإن كان حالا لم يخل من أن يكون موسرا به أو معسرا فإن كان موسرا ، ولم يستنب في قضائه لم يكن له أن يجاهد إلا بإذن صاحب الدين ، وسواء كان الدين لمسلم أو كافر ؛ لما روي عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى ‘ .
وروي أن رجلا قال : يا رسول الله : أرأيت إن قتلت صابرا محتسبا أيحجزني عن الجنة شيء ؟ فقال : ‘ لا ، إلا الدين ‘ .
وروي أنه قال : لا ، فنزل عليه جبريل فقال له : ‘ إلا الدين ‘ فقال له : ‘ إلا الدين ‘ وما حجز عن الجنة لم يتوصل بالجهاد إليها ، ولأن فرض الدين متعين عليه ، وفرض الجهاد على الكفاية وفروض الأعيان مقدمة على فروض الكفاية ، ولأن الجهاد من حقوق الله تعالى ، هي أوسع من حقوق الآدميين ، وهي أضيق فقدم الأضيق على الأوسع .
وكذلك لو كان معسرا لم يكن له أن يجاهد إلا بإذنه لأنه ينقطع بالجهاد عن الكسب ويتعرض للشهادة .
وإن استناب الموسر في قضاء دينه نظر ، فإن كان المال حاضرا لم يلزم استئذان صاحب الدين عن الجهاد لأنه كالمؤدى .
وإن كان المال غائبا لزمه استئذانه ولم يكن له أن يجاهد بغير إذنه لجواز أن يتلف المال قبل قضاء الدين فيبقى على صاحبه .
وإن كان الدين مؤجلا ففي جواز جهاده ، بغير إذن صاحب الدين وجهان :
أحدهما : يجوز أن يجاهد بغير إذنه كما يجوز أن يسافر في غير الجهاد بغير إذنه .
والوجه الثاني : لا يجوز أن يجاهد إلا بإذنه ، وإن جاز أن يسافر بغير إذنه ، لأن