پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص112

الذراري وطاعة الرسول : ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ) فيه تأويلان :

أحدهما : ليتفقه الطائفة النافرة ، إما مع رسول الله ( ص ) في جهاده ، وإما مهاجرة إليه في إقامته ، وهذا قول الحسن .

والثاني : ليتفقه الطائفة المتأخرة مع رسول الله ( ص ) عن النفور في سراياه ، وهذا قول مجاهد وفي المراد بقوله : ( وليتفقهوا في الدين ) تأويلان : أحدهما : ليتفقهوا فيما يشاهدونه من نصر الله لرسوله ، وتأييده لدينه وتصديق وعده ومشاهدة معجزاته ليقوي إيمانهم ، ويخيروا به قومهم إذا رجعوا إليهم . والثاني : يتفقهوا في أحكام الدين ومعالم الشرع ، ويتحملوا عن الرسول ما يقع به البلاغ لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم فدل هذا على أن فرض الجهاد على الكفاية . وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعاً ) وفي قوله : ( خذوا حذركم ) تأويلان : أحدهما : أحذروا عدوكم . والثاني : خذوا سلاحكم ، وقوله تعالى : ( فانفروا ثبات ) يعني : فرقاً وعصباً ، ( أو انفروا جميعاً ) أي : بأجمعكم . فخيرهم الله تعالى بين الأمرين ، فدل على أن فرضه لا يتعين على الكافة ، وإنما تعين على الثلاثة الذين تخلفوا ، لأن رسول الله ( ص ) دعاهم بأعيانهم ، فتعينت عليهم الإجابة حين عين الخروج عليهم ، فهذا توجيه الوجهين في ابتداء فرضه والصحيح عندي أن ابتداء فرضه كان على الأعيان في المهاجرين وعلى الكفاية في غيرهم لأن المهاجرين انقطعوا إلى رسول الله ( ص ) لنصرته فتعين فرض الجهاد عليهم ، ولذلك كانت سرايا رسول الله ( ص ) قبل بدر بالمهاجرين خاصة ، وما جاهد عليه الأنصار قبل بدر ، فتعين الفرض على من ابتدىء به ، ولم يتعين على من لم يبتدأ به ، ومن أجل ذلك سمى أهل الفيء من المقاتلة مهاجرين ، وجعل فرض العطاء فيهم وسمى غيرهم وإن جاهدوا أعرابا كما قال الشاعر :

( قد حسها الليل بعصلبي
أروع خراج من الداري )
( مهاجرا ليس بأعرابي
)
( فصل )

: فإذا ثبت أن فرض الجهاد الآن مستقر على الكفاية دون الأعيان فالذي يلزم من فرض الجهاد شيئان :

أحدهما : كف العدو عن بلاد الإسلام أن يتخطفها لينتشر المسلمون فيها آمنين على نفوسهم وأموالهم ، فإن أظل العدو عليهم وخافوه على بلادهم تعين فرض الجهاد