الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص109
عدا الأشهر الحرم لأن العرب كانت تحرم القتال في الأشهر الحرم ، لينتشروا فيها آمنين قال الله تعالى ( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ) [ التوبة : 36 ] . وهي : ذو القعدة ، وذو الحجة والمحرم ، ورجب . قال النبي ( ص ) ‘ ثلاثة سرد وواحد فرد ‘ وكانوا يحرمون القتال في الحرم فقال تعالى : ( أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ) [ العنكبوت : 67 ] فأثبت الله تعالى في ابتداء فرض الجهاد تحريم القتال في الأشهر الحرم ، وتحريم القتال في الحرم ، فقال في تحريم القتال في الأشهر الحرم : ( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) [ التوبة : 5 ] . فحرم الله تعالى القتال فيها على العموم ابتداء ومقابلة ، ثم أباح الله تعالى فيها قتال من قاتل ولم يبح قتال من لم يقاتل ، فقال تعالى : ( الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص ) [ البقرة : 194 ] وسبب ذلك ما حكاه الحسن البصري . أن مشركي العرب قالوا لرسول الله ( ص ) : ‘ أنهيت يا محمد عن قتالنا في الشهر الحرام فقال : نعم ، فأرادوا أن يقاتلوه في الشهر الحرام ، فأنزل الله تعالى : ( الشهر الحرام بالشهر الحرام ) أي : إن استحلوا قتالكم في الشهر الحرام ، فاستحلوا منهم مثل ما استحلوا منكم
وفي قوله تعالى : ( والحرمات قصاص ) تأويلان :
أحدهما : في انتهاك الحرمات وجوب القصاص .
والثاني : في وجوب القصاص حفظ الحرمات ثم أباح الله تعالى فيها قتال من قاتل وقتال من لم يقاتل فقال تعالى : ( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله ) [ البقرة : 217 ] فأعلمهم أن حرمة الدين أعظم من حرمة الشهر الحرام ، ومعصية الكفر أعظم من معصية القتال ، فصار لتحريم القتال في الأشهر الحرم ثلاثة أحوال :
الأولى : تحريمه فيها لمن قاتل ولم يقاتل .
والثانية : أنه أبيح فيها قتال من قاتل دون من لم يقاتل .
والثالثة : أنه أبيح فيها قتال من قاتل ومن لم يقاتل .
وقال عطاء : هذه الحالة الثالثة غير مباحة ، وأنه لا يستباح فيها إلا قتال من قاتل دون من لم يقاتل ، وهذا خطأ لأمرين :
أحدهما : ما ذكره الله تعالى من تعليل الإباحة بقوله : ( والفتنة أكبر من القتل ) وهذا تعليل عام فوجب أن تكون الإباحة عامة .
والثاني : أن رسول الله ( ص ) عقد بيعة الرضوان على قتال قريش في ذي القعدة ،