الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص108
نصر الله تعالى به ولهم وحدوث القوة بعد ضعفهم كما قال تعالى : ( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة ) فنقله إلى الحالة الرابعة التي هي غاية أحواله ، فحينئذ فرض الله تعالى الجهاد عليه وعليهم ، فقال فيه : ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم ) [ التوبة : 73 ] .
وجهاد الكفار بالسيف ، وجهاد المنافقين بالوعظ إن كتموا ، وبالسيف إن أعلنوا .
وفي قوله : ( واغلظ عليهم ) تأويلان :
أحدهما : لا تبر لهم قسما .
والثاني : لا تقبل لهم عذرا .
وقال للكافة : ( وجاهدوا في الله حق جهاده ) [ الحج : 78 ] . وفيه تأويلان :
أحدهما : أنه الصبر على الشهادة .
والثاني : أنه طلب النكاية في العدو دون الغنيمة .
وروى أبو مراوح الغفاري عن أبي ذر قال : قلت يا رسول الله أي العمل أفضل ؟ قال : ‘ إيمان بالله وجهاد في سبيل الله ، قلت : أي الرقاب أفضل ؟ قال : أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها ‘ ثم بين الله تعالى فرضه عليهم فقال : ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم ) [ البقرة : 216 ] . وكتب : فمعنى : فرض ، كما قال : ( كتب عليكم الصيام ) [ البقرة : 183 ] . أي : فرض . وفي قوله تعالى : ( وهو كره لكم ) تأويلان :
أحدهما : وهو مكروه في نفوسكم .
والثاني : وهو شاق على أبدانكم ، وهل ذلك قبل التعبد أو بعده على وجهين .
ثم قال : ( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو كره لكم ) [ البقرة : 216 ] . وفيه تأويلان :
أحدهما : أنه على العموم ، قد تكرهون ما تكون عواقبه خيرا لكم وتحبون ما تكن عواقبه شرا ، لأن الله تعالى يعلم عواقب الأمور وهم لا يعلمون .
والثاني : أنه على الخصوص في القتال على أن تكرهوه وهو خير لكم في الدنيا بالظفر والغنيمة ، وفي الآخرة بالأجر والثواب
وعسى أن تحبوا الموادعة والكف وهو شر لكم في الدنيا بالظهور عليكم ، وفي الآخرة بنقصان أجوركم والله يعلم ما فيه مصلحتكم ، وأنتم لا تعلمون ، فثبت بهذه الآية فرض الجهاد .