پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص107

أحدهما : أنه أمره بذلك إخبارا لهم بمعتقده ثم هو في الجواب لهم ، والاحتجاج عليهم على ما يقتضيه السؤال

والثاني : أنهم ما حاجوه طلبا للحق ، فيلزمه الجواب ، وإنما حاجوه إظهارا للعناد ، فجاز له الإعراض عنهم بما أمره أن يقوله لهم .

فكان رسول الله ( ص ) على هذا مرة مقامه بمكة غير مأذون له في القتال ، لأنه كان يضعف عنه وكانت رسالته مختصة بأمرين :

أحدهما : إنذار المشركين .

والثاني : ما يشرعه من أحكام الدين .

ثم هاجر رسول الله ( ص ) إلى المدينة ، فصارت دار إسلام ، ظهرت له بها قوة ، فأذن الله تعالى أن يقاتل من قاتله ، ويكف عمن كف عنه فقال : ( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ) [ البقرة : 190 ] .

وقال الربيع بن أنس ، وعبد الرحمن بن زيد : هذه أول آية نزلت بالمدينة في قتال المشركين : أمر الله فيها رسوله والمسلمين بقتال من قاتلهم ، والكف عمن كف عنهم

وفي قوله تعالى : ( ولا تعتدوا ) تأويلان :

أحدهما : لا تعتدوا بقتال من لم يقاتلكم .

والثاني : لا تعتدوا بالقتال على غير الدين فكان هذا قتال دفع ، وهي الحال الثانية من أحوال رسول الله ( ص ) أن يجازي و لا يبتدىء ، فلما مضت به مدة ازدادت فيها قوته وكثر فيها عدده نقله الله تعالى إلى حالة ثالثة أذن له فيها بقتال من رأى إذنا خيرة فيه ولم يفرضه عليه ، فقال تعالى ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ) [ الحج : 39 ] . فلم يقطع الإخبار بنصرهم ، لأنه لم يحتم فرض الجهاد عليهم ، ولذلك لما فرض الجهاد قطع بنصرهم ، فقال : ( ولينصرن الله من ينصره ) [ الحج : 40 ] . فكان رسول الله ( ص ) مخيرا بين الكف والقتال ، فأسرى سرايا وغزا بدرا وهو في الجهاد مخير ، ولذلك خرج ببعض أصحابه ، وكان من أمره بالجهاد معه يجب عليه إجابته ، لما أوجبه الله من طاعة رسوله في أوامره ، وإن لم يكن الجهاد فرضا ، لقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) [ الأنفال : 24 ] وفيه تأويلان :

أحدهما : لما يصلحكم ، فعبر عن الصلاح بالحياة .

والثاني : لما تدوم به حياتكم في الجنة بالخلود فيها فكان رسول الله ( ص ) على هذا التخيير حتى قوي أمره بوقعة بدر ، وكثر جمعه ، وقويت نفوس أصحابه بما شاهدوه من