الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص105
ومثله ما روي عن النبي ( ص ) أنه قال : لا تستضيئوا بنار أهل الشرك ‘ أي لا تقتدوا بآرائهم .
والقسم الخامس : أن لا يقدر على الامتناع ويضعف عن الهجرة فتسقط عنه الهجرة ، لعجزه ، ويجوز أن يدفع عن نفسه بإظهار الكفر ، ويكون مسلما باعتقاد الإسلام والتزام أحكامه ، ولا يجوز لمن قدر على الهجرة أن يتظاهر بالكفر لأنه غير مضطر والعاجز عن الهجرة مضطر ، ويكون فرض الهجرة على من آمن فيها باقيا ما بقي للشرك دار .
روى معاوية بن أبي سفيان قال : سمعت رسول الله ( ص ) يقول : ‘ لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها ‘ .
فإن قيل : فقد روى ابن عباس عن النبي ( ص ) أنه قال يوم فتح مكة : ‘ لا هجرة بعد اليوم ، ولكن جهاد ونية ‘ .
قيل : في تأويله وجهان :
أحدهما : لا هجرة من مكة بعد اليوم ، لأنها قد صارت بعد الفتح دار إسلام .
الثاني : لا فضيلة للهجرة بعد اليوم كفضيلتها قبل اليوم ، لأنها كانت قبل الفتح أشق منها بعده فكان فضلها أكثر من فضلها بعده .
وفي تسميتها هجرة وجهان :
أحدهما : لأنه يهجر فيها ما ألف من وطن وأهل .
والثاني : لأنه يهجر فيها العادة من عمل أو كسب .
أحدها : وهي أول أحواله ، أنه قد كان رسول الله ( ص ) مدة مقامه بمكة منهيا عن القتال ، مأمورا بالصفح والإعراض لقول الله تعالى : ( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ) [ الحجر : 94 ] . فيه تأويلان :
أحدهما : أظهر الإنذار بالوحي .
والثاني : فرق القول فيهم مجتمعين وفرادى .
وفي قوله : ( وأعرض عن المشركين ) تأويلان :
أحدهما : أعرض عن قتالهم .