الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص103
وفيها تأويلان :
أحدهما : أن المراغم المتحول من أرض إلى أرض
والسعة : المال
والثاني : أن المراغم طلب المعاش
والسعة : طيب العيش ، فكانت الهجرة مباحة لمن خاف على نفسه من الأذى أو على دينه من الفتنة
فأما الأمن على نفسه ودينه فهجرته عن الرسول ( ص ) معصية إلا لحاجة لما في مقامه من ظهور الإيمان وكثرة العدد ، وهذه الهجرة قد كانت من المسلمين إلى أرض الحبشة وهي مباح وليست بواجبة وفي هذه الهجرة إلى أرض الحبشة نزل قوله تعالى : ( والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا ) [ النحل : 41 ] يعني : هاجروا إلى أرض الحبشة من بعد ما ظلمهم أهل مكة : ( لنبوئنهم في الدنيا حسنة ) [ النحل : 41 ] فيه
تأويلان :
أحدهما : نزول المدينة ، قاله ابن عباس
والثاني : النصر على عدوهم ، قاله الضحاك
وأما حكمهما بعد هجرة رسول الله ( ص ) من مكة إلى المدينة فهي مختصة بالوجوب دون الإباحة ، لأنها هجرة إلى الرسول ، فقد كانت هجرة من أسلم من مكة قبل الفتح إليه وهم فيها على ثلاثة أقسام :
أحدها : من كان منهم في سعة مال وعشيرة ، لا يخاف على نفسه ولا على دينه كالعباس بن عبد المطلب فمثل هذا قد كان مأمورا بالهجرة ندبا ، ولم تجب عليه حتما ، قال الله تعالى ( ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ) [ النساء : 100 ]
والقسم الثاني : من خاف على نفسه أو دينه وهو قادر على الخروج بأهله وماله فهذا قد كانت الهجرة عليه واجبة ، وهو بالتأخر عنها عاص لأنه يتعرض بالمقام للأذى ويمتنع بالتأخر عن النصرة ، قال الله تعالى ( والذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها )
والقسم الثالث : من خاف على نفسه أو دينه وهو غير قادر على الخروج بنفسه وأهله ، إما لضعف حال أو عجز بدن ، فهذا ممن لم يكن على مثله في المقام حرج ولا مأثم ، وهو بالتأخر عن الهجرة معذورا ، قال الله تعالى : ( إلا المستضعفين من الرجال