الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص102
قال الشافعي رحمه الله : ‘ لما مضت بالنبي ( ص ) مدة من هجرته أنعم الله فيها على جماعات باتباعه حدثت لها مع عون الله قوة بالعدد لم تكن قبلها ففرض الله عليهم الجهاد فقال تعالى ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم ) وقال تعالى ( وقاتلوا في سبيل الله ) مع ما ذكرته فرض الجهاد ‘
قال الماوردي : وإذ قد مضت سنة رسول الله ( ص ) في أعلام نبوته ، وترتيب شريعته وما سار بأمته في حربه وغزواته التي لا يستوضح العلماء طريق الشرع إلا بها فهذا الباب يشمل منها على فصلين :
أحدهما : وجوب الهجرة
والثاني : فرض الجهاد
فأما الفصل الأول : في وجوب الهجرة ، فالكلام فيها يشمل على فصلين :
أحدهما : حكمها في زمان رسول الله ( ص )
والثاني : حكمها بعده .
فأما حكمها في زمانه فلها حالتان
إحداهما : قبل هجرته إلى المدينة
والثانية : بعد هجرته إليها
فأما حكمها وهو بمكة قبل هجرته إلى المدينة فهي مختصة بالإباحة دون الوجوب ، لأنها هجرة عن الرسول ، فقد كان المسلمون حين اشتد بهم الأذى وتتبعتهم قريش بالمكاره ، رغبوا إلى الله في الإذن لهم بالهجرة عنهم فقالوا ما حكاه الله تعالى عنهم : ( ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها ) [ النساء : 75 ] يعني مكة ( واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا ) [ النساء ‘ 75 ] فأجابهم الله تعالى إلى ما سألوا من الهجرة فقال تعالى : ( ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ) [ النساء : 100 ]