الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص98
لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) [ البقرة : 143 ] . فكنت أظن أن النبي ( ص ) يستبقى في أمته حتى يشهد عليها بآخر أعمالها ، ثم أخذوا في جهازه وكانوا ممسكين عن التعزية به حتى جاءتهم التعزية من شخص يسمعون صوته ولا يرون شخصه ، فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : ( كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة ) [ آل عمران : 185 ] . إن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل فائت ، فبالله فثقوا ، وإياه فارجوا ، فإن المصاب من حرم الثواب ، فحينئذ عزا الناس بعضهم بعضا
ولما قبض رسول الله ( ص ) اجتمعت الأنصار وأخرجوا سعد بن عبادة ، وكان وجعا من مرض به ، فقال سعد : يا معشر الأنصار ، إن لكم سابقة في الدين أراد بكم ربكم الفضيلة ، وساق إليكم الكرامة ، بإعزاز دينه وجهاد أعدائه حتى ‘ أثخن ‘ الله لرسوله بكم الأرض ، ودانت له بأسيافكم العرب وتوفاه الله إليه ، وهو عنكم راض فاشتدوا بهذا الأمر دون الناس فإنه لكم دون غيركم ، فأجابوه بأجمعهم ، قد وفقت في الرأي وأصبت في القول ونحن نوليك هذا الأمر فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فأرسل إلى أبو بكر وهو مع علي بن أبي طالب في جهاز رسول الله ( ص ) فأشعره بالأمر ، فخرج ومضى مع عمر ولقيا أبا عبيدة بن الجراح فصحبهما ولقيهما رجلان من الأنصار ممن شهد بدرا وهما عويم بن ساعدة وفيه نزل قول الله تعالى ( رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المتطهرين ) [ التوبة : 108 ] فقال رسول الله ( ص ) ‘ نعم المرء عويم بن ساعدة ‘ والآخر معن بن عدي سمع الناس حين مات رسول الله ( ص ) يبكون ويقولون : وددنا لو متنا قبله فقال معن : والله ما أحب أني مت قبله حتى أصدقه ميتا كما صدقته حيا فلما رأى أبو بكر ومن معه قال : أين تريدون يا معشر المهاجرين ؟ فقالوا : نريد إخواننا الأنصار فقال : ارجعوا فاقضوا أمركم بينكم فأبوا أن يرجعوا ومشى إليهم الثلاثة فجاؤوا وهم مجتمعون في سقيفة بني ساعدة على سعد بن عبادة فأراد عمر أن يتكلم فقال له أبو بكر : رويدا فسكت ، وكان قد زور في نفسه كلاما وابتدأ أبو بكر فحمد الله واثنا عليه ثم قال : إن الله تعالى بعث محمدا رسولا إلى خلقه وشهيدا على أمته ليعبدوا الله ويوحدوه وهم يعبدون من دون آلهة شتى يزعمون أنها لهم عنده شافعة ولهم نافعة وإنما هي حجر منحوت وخشب منجور ، فصدقه من قومه من خالف جميع العرب ولم يستوحش من قلة العدد ، فهم أول من عبد الله في الأرض وآمن بالله وبالرسول وهم أولياؤه وعشيرته وأحق الناس بهذا الأمر بعده ، ولا ينازعهم فيه إلا ظالم وأنتم يا معشر الأنصار ممن لا ينكر فضلهم في الدين ولا سابقتهم في الإسلام ، رضيكم الله أنصارا