الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص16
حفنة من البطحاء ، فسجد عليها وتفرق الناس من المسجد متقاربين قد سر المشركون وسكن المسلمون ، وبلغت السجدة ، من بأرض الحبشة من المسلمين وقالوا : أسلمت قريش فنهض منهم رجال قدموا على رسول الله ( ص ) وتأخر آخرون ، وأتى جبريل عليه السلام رسول الله ( ص ) فقال : يا محمد ماذا صنعت ؟ لقد تلوت على الناس ما لم آتك به ، فحزن حزنا شديدا ، وخاف من الله خوفا كثيرا ، فأنزل الله تعالى عليه ما عذره فيه فقال : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ) [ الحج : 52 ] ونسخ ما ألقاه الشيطان على لسانه بقوله : ( ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى ) [ النجم : 22 ] فقالت قريش حين سمعوا النسخ : ندم محمد على ما ذكر من مدح آلهتنا وجاء بغيره فازدادوا شرا وشدة على من أسلم ، وقدم من عاد من أرض الحبشة ، وعرفوا قبل دخول مكة ما نسخ من إلقاء الشيطان فمنهم من رجع إلى أرض الحبشة من طريقه ومنهم من دخل مكة مستخفيا ، ومنهم من دخلها في جوار ، فدخل عثمان بن عفان وزوجته رقية رضي الله عنهما في جوار عتبة بن ربيعة ، ودخل عثمان بن مظعون في جوار الوليد بن المغيرة ، ودخل جعفر بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود سرا وكان جميعهم ثلاثة وثلاثين نفسا ، ثم عادوا وغيرهم إلى أرض الحبشة إلا عثمان بن عفان فإنه أقام حتى هاجر إلى المدينة وهذه هي الهجرة الثانية إلى أرض الحبشة