الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص468
والثاني : معناه إن خص كل واحد منهما بعلم أفرده به دون الآخر فصار كل واحد منهما قد أوتي حكماً ، وعلما .
فإن قيل : فكيف نقض داود حكمه باجتهاد غيره فعنه جوابان :
أحدهما : أنه ذكر الحكم ولم يمضه ، حتى بان له صواب ما حكم به سليمان فعدل إليه ، وحكم به وهذا جائز .
والثاني : أن الله تعالى صوب قضاء سليمان فصار نصاً وحكم ما خالف النص مردود .
والدليل من هذه الآية على من سوى بين الليل والنهار وفي سقوط الضمان ، نص صريح ، لأن الله تعالى قد أوجبه في رعي الغنم في الليل ، وعلى من سوى بينهما في وجوب الضمان من طريق التنبيه لأنه حكم على صفة تقتضي انتفاء عند عدمها ، ثم جاءت السنة ، بنص صريح ، في الفرق بين الليل والنهار ، وهو الحديث المتقدم في صدر الكتاب رواه الشافعي عن مالك عن الزهري عن حرام بن سعد بن محيصة أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائطاً فأفسدت فإن قيل : حرام بن سعد لا صحبة له فكان مرسلاً .
قيل : قد رواه الشافعي مسنداً عن أيوب بن سويد عن الأوزاعي عن الزهري عن حرام بن سعد بن محيصة عن البراء بن عازب أنه كانت له ناقة ضارية دخلت حائط قوم ، فأفسدت فيه فقضى رسول الله ( ص ) أن على أهل الأموال حفظها بالنهار وما أفسدت المواشي بالليل فهو ضمان على أهلها ‘ فقد رواه الشافعي عن مالك عن الزهري مرسلاً ، ورواه الشافعي عن أيوب عن الأوزاعي عن الزهري مسنداً فتأكد ، وهو نص صريح في وجوب الضمان بالليل ، وسقوطه بالنهار لا تأويل فيه بصرفه عن ظاهر نصه ، ثم الفرق بين الليل والنهار من طريق المعنى من وجهين :
أحدهما : أن المواشي والزروع مرصدان لطلب الفضل فيهما ، واستمداد الرزق منهما ، والفضل في المواشي بإرسالها نهاراً ، في مراعيها فسقط حفظها فيه ، والفضل في الزروع ، بعمل أهلها نهاراً ، فيها فوجب عليهم حفظها فيه .
والثاني : أن الليل زمان النوم والدعة ، فلزم أرباب المواشي فيه حفظها في أفنيتهم ومساكنهم ، وسقط فيه عن أرباب الزروع حفظها لا يوائهما فيه إلى مساكنهم ، فثبت بهذين حفظ الزروع على أهلها في النهار ، دون الليل ، وحفظ المواشي على أهلها