الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص467
وسوى أبو حنيفة بين رعي الليل والنهار ، ولم يفرق بينهما ، واختلف أصحابه في مذهبه الذي سوى فيه بين الليل والنهار ، فحكى البغداديون منهم عنه سقوط الضمان في الزمانين وحكى الخراسانيون عنه وجوب الضمان في الزمانين .
واستدل من ذهب إلى سقوط الضمان فيهما بقول النبي ( ص ) : ‘ العجماء جبار ) .
وروي ‘ جرح العجماء جبار ) .
والعجماء : البهيمة ، والجبار : الهدر الذي لا يضمن ، ولأن ما سقط ضمانه نهاراً سقط ضمانه ليلاً كالودائع طرداً والغصوب عكساً .
واستدل من ذهب إلى وجوب الضمان في الزمانين بقول النبي ( ص ) : ‘ لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ) ولأن ما وجب ضمانه ليلاً وجب ضمانه نهاراً ، كالغصوب طرداً والودائع عكساً .
ودليلنا على الفرق بين الزمانين في وجوب الضمان ليلاً وسقوطه نهاراً ، سنة الرسول ( ص ) بعد ما ورد به التنزيل في قصة داود وسليمان قال الله تعالى : ( وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلماً ) [ الأنبياء : 78 ، 79 ] وفي الحرث الذي حكما فيه قولان :
أحدهما : أنه زرع وقعت فيه الغنم ليلاً قاله قتادة ، وهو الأشبه بلفظ الحرث .
والثاني : أنه كرم وقعت فيه الغنم ، قاله ابن مسعود ، وهو أشهر في النقل . ( إذا نفشت فيه غنم القوم ) [ الأنبياء : 78 ] والنفش رعي الليل والهمل : رعي النهار ، قاله قتادة ، فدل على أن القضاء كان في رعي الليل دون النهار . ( وكنا لحكمهم شاهدين ) [ الأنبياء : 78 ] يعني : حكم داود وحكم سليمان ، والذي حكم به داود على ما ورد به النقل وإن لم يدل القرآن عليه أنه جعل الغنم ملكاً لصاحب الحرث عوضاً عن فساده وكان سليمان عليه السلام حاضر الحكمة فقال : أرى أن تدفع الغنم إلى صاحب الكرم ؛ لينتفع بها ويدفع الكرم إلى صاحب الغنم ، ليعمره ، فإذا عاد إلى ما كان عليه ؛ رده على صاحبه واسترجع غنمه ، فصوب الله تعالى حكم سليمان وبين خطأ داود فقال : ( ففهمناها سليمان ) [ الأنبياء : 79 ] فرد داود حكمه ، وأمضى حكم سليمان ، ثم قال تعالى : ( وكلا آتينا حكما وعلماً ) [ الأنبياء : 79 ] يحتمل وجهين :
أحدهما : أنه آتى كل واحد منهما حكماً وعلماً في وجوب ذلك الضمان ليلاً ، وإن اختلفا في صفته ، لأنهما اتفقا على وجوب الضمان ، وإن اختلفا في الصفة .