الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص460
قال الماوردي : اعلم أن المنازل ساترة لعورات أهلها يحرم انتهاكها بالنظر إلى من فيها ، فإذا تطلع رجل على منزل رجل لم يخل حال ما تطلع منه من أحد أمرين :
إما أن يكون ساتراً لأبصار المارة أو غير ساتر لها ، فإن كان ساتراً لأبصار المارة كالمتطلع من ثقب في باب أو كوة صغيرة في حائط أو شباك ضيق الأعين فلصاحب الدار أن يرمي عين المتطلع بما يجوز أن يفضي إلى فقء عينه ، ولا يفضي إلى تلف نفسه كالحصاة والعود اللطيف والمدري وإن كان من حديد ، ولا يجوز أن يرميه بسهم ولا أن يطعنه برمح ؛ لأن ذلك يصل إلى الدماغ فتتلف به النفس ، والمقصود كف العين من النظر وليس المقصود تلف النفس ، فإن فعل ذلك ضمن نفسه ولا يضمن بإفقاء عينه ، واختلف أصحابنا هل استباح فقء عينه بابتداء التطلع أو بعد زجره بالكلام إذا لم يمتنع على وجهين :
أحدهما : وهو قول أبي حامد المروزي ، وأبي حامد الاسفراييني ، وجمهور البصريين أن يستبيحه بعد زجره بالكلام ، فإن امتنع به لم يكن له أن يتعداه ، وإن ابتدأ بفقء عينه ضمن ، فعلى هذا يكون موافقا للأصول في صول الفحل وطلب النفس والمال في ترتيب الدفع حالاً بعد حال .
والوجه الثاني : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة وأكثر البغداديين أنه يستبيح فقء عينه بابتداء التطلع ، ولا يلزمه تقديم زجره بالكلام ، فعلى هذا يكون مخالفاً للاصول في صول الفحل وطلب المال والنفس وموافقاً لنزع اليد المعضوضة إذا سقط بها أسنان العاض ابتداء واختلف في مذهب أبي حنيفة من الوجهين فحكى عنه أبو بكر الرازي الوجه الأول أنه لا يجوز أن يبدأ بفقء إلا بعد زجره بالكلام ، وهو ضامن إن ابتدأ به وهو قول مالك احتجاجاً بأن دخول الدار أغلظ من التطلع عليه في داره ، فلو دخلها لم يستبح أن يبتدئ بفقء عينه فكان بأن لا يستبيحه بالتطلع أولى وحكى عنه الطحاوي .
والوجه الثاني : أنه يستبيح بالتطلع أن يبتدئه بفقء العين ولا يلزمه ضمانها وهو الذي ينصره البغداديون من أصحابنا ويجعلونه خلافاً مع أبي حنيفة احتجاجاً بالخبر المتقدم