الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص458
ولأن منعه من الفاحشة حق من حقوق الله تعالى وحق نفسه في أهله وحق امرأته إن كانت مكرهة فلم يسعه إضاعة هذه الحقوق بالكف والإمساك ، فأما إن كان وجده يزني بأجنبية ليست من أهله فعليه أن يمنعه منها ويكفه عنها ، فإن كانت مكرهة تفرد المنع به دونها ، وإن كانت مطاوعة توجه المنع إليهما والإنكار عليهما ؛ لما يلزم من صيانة محارم الله تعالى وحفظ حقوقه والكف عن معاصيه .
والفرق بين أن يرى ذلك في أهله وبين أن يراه في غير أهله أن فرضه في أهله متعين عليه ، وفي غير أهله على الكفاية .
فإذا تقرر ما ذكرنا من وجوب الدفع نظر حال الرجل الزاني فإن لم يكن قد أولج فعلى الزوج أن يدفعه بما قدر عليه ، ولا يجوز أن ينتهي إلى القتل إلا أن لا يقدر على دفعه بغير القتل كما قلنا في دفعه عن طلب النفس والمال ، وينظر فإن لم يكن قد وقع عليهما ففي الدفع أناة ، وإن وقع عليها تعجل الدفع وتغلظ وإن كان قد أولج جاز أن يبدأ في دفعه بالقتل ولا يترتب على ما قدمناه ؛ لأنه في كل لحظة تمر عليه مواقعاً له بالزنا لا يستدرك بالأناة فجاز لأجلها أن يعجل القتل .
روي أن رجلاً قال لعلي بن أبي طالب عليه السلام : إنني وجدت مع امرأتي رجلا فلم أقتله ، فقال علي : أما إنه لو كان أبا عبد الله لقتلته يعني الزبير بن العوام ، فدل ذلك من قوله على وجوب قتله ، وفي هذا القتل وجهان محتملان :
أحدهما : أنه قتل دفع فعلى هذا يختص بالرجل دون المرأة ، ويستوي فيه البكر والثيب .
والوجه الثاني : أنه قتل حد يجوز أن ينفرد به دون السلطان لأمرين :
أحدهما : لتفرده بالمشاهدة التي لا تتعداه .
والثاني : لاختصاصه فيه بحق نفسه في إفساد فراشه عليه في الزنا بزوجته .
فعلى هذا يجوز فيه بين الرجل والمرأة إن كانت مطاوعة إلا أن المرأة يفرق فيها بين البكر والثيب فتقتل إن كانت ثيباً ، وتجلد إن كانت بكراً .
وأما الرجل ففيه وجهان :
أحدهما : أنه يفرق فيه بين البكر والثيب ؛ لأنه حد زنا كالمرأة .
والوجه الثاني : وهو أظهر أنه لا يفرق فيه بين البكر والثيب ، ويقتل في الحالين لأمرين :
أحدهما : أن قتله حداً اغلظ من قتله دفعاً ، ويجوز لتغليظ حاله أن يقتل دفعا فجاز أن يقتل حداً .