الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص456
الله رب العالمين ) [ المائدة : 28 ] ولأن للطالب زاجر من نفسه ولذلك امتنع عثمان بن عفان رضي الله عنه من الدفع عن نفسه والله أعلم .
قال الماوردي : وهذا صحيح ، وحكم الدفع عن الأطراف كحكم الدفع عن النفس ، فإذا عض يده فله أن ينتزعها من فيه ، وإن سقط بنزعها أسنان العاض كانت هدراً ، ولا يلزمه زجره بالقول قبل النزع ، فإن لم يقدر على خلاصها بالنزع تجاوزه إلى أقل ما يمكن ، ولا يتجاوزه من الأقل إلى الأكثر ، وتنهدر بالجذب في الأحوال كلها أسنان العاض ، ويقال للعض بالأسنان القضم ، وللعض بالأضراس الخضم ، ومنه قول الحسن البصري : يا ابن آدم تخضم وتقضم ، والحساب في البيدر .
فإن سقطت أسنان العاض سقط ضمانها عن المعضوض ، وبه قال أبو حنيفة .
وقال مالك ، وابن أبي ليلى : يضمنها المعضوض وإن لم يضمن النفس .
والدليل على سقوط الضمان في الأسنان والأطراف كسقوطه في النفس ما رواه عطاء بن أبي رباح عن صفوان بن عبد الله بن صفوان عن عميه يعلى بن أمية وسلمة بن أمية قالا خرجنا مع رسول الله ( ص ) في غزوة تبوك ، ومعنا صاحب لنا فقاتل رجلا من المسلمين ، فعض الرجل ذراعه فجذبها من فيه ، فطرح ثنيته فأتى الرجل النبي ( ص ) يلتمس العقل ، فقال النبي ( ص ) : ‘ ينطلق أحدكم لأخيه فيعضه عضيض الفحل ، ثم يأتي يطب العقل لا عقل له ) فأبطلها رسول الله ( ص ) ولأن حرمة النفس أغلظ ، وقد ثبت أنه لو لم يقدر على الخلاص منه إلا بالقتل لم يضمن ، فكان بأن لا يضمن ما دونها أجدر ، ولأن ترك يده في فيه حتى يزجره بالقول استصحاب ألم وزيادة ضرر فلم يلزم الصبر عليه رفقاً بالعاض في زجره ووعظه .