پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص455

بالحديد ، ويعتبر فيه قدر ما يندفع به ، فإن تجاوزه إلى زيادة في الجراح أو إلى القتل كان مأخوذا به ، وإن كان لا يندفع إلا بالقتل كان له قتله ، وإن كان يندفع عنه بجراحة واحدة فجرحه جراحتين فمات منها فلا قود عليه في النفس ، وعليه نصف الدية ؛ لأنه مات من جراحتين إحداهما مباحة لا تضمن ، والثانية محظورة تضمن ، وكذلك لو اندفع بجراحه فجرحه ثلاث جراحات ضمن نصف الدية وكذلك لو اندفع بجراحتين فجرحه ثلاثاً ضمن نصف الدية ولا تتقسط الدية على أعداد الجراح ، إنما تتقسط على أحكامها في الحظر والإباحة كالمرتد إذا جرح في حال الردة بعد الإسلام ، وكالشريكين في الجراح إذا جرح أحدهما جراحه وجرح الآخر عشراً ، كانا في الدية سواء ، وهكذا لو اندفع بقطع إحدى يديه فعاد بعد قطعهما وقطع اليد الأخرى ضمنها ، فإن سرى القطع إلى نفسه فلا قود عليه في النفس ، وعليه نصف الدية ، وإن اندمل القطع كان عليه القود في اليد الثانية أو ديتها ، ولا يجوز إذا ولى الطالب مدبراً أن يتبع بجراح ولا قتل ، ويكون ما فعله المطلوب بعد إدلائه عنه الطالب من جراح وقتل مضموناً عليه ، كالمحاربين إذا ولوا عن قطع الطريق ، والبغاة إذا أدبروا عن القتال .

( فصل )

والحكم الرابع في جواز الدفع ووجوبه ، وهو يختلف على اختلاف المطلوب ، وينقسم ثلاثة أقسام :

أحدها : ما جاز ولم يجب وهو طلب المال ، فالمطلوب بالخيار بين أن يدفع عن ماله وبين أن يمكن منه ولا يدفع عنه ؛ لأن بذل المال مباح .

والقسم الثاني : ما وجب الدفع عنه ، وهو من أريد منه قتل غيره من ولد أو زوجة أو أريد من أحدهم الفاحشة فالدفع عنه واجب ، وفي الإمساك عنه مأثم ؛ لأن اباحة ذلك محظور .

والقسم الثالث : ما اختلف في وجوبه وجوازه ، وهو إذا أريدت نفسه ، وهذا معتبر بالطالب ، فإن كان ممن ليس له زاجر من نفسه كالبهيمة والمجنون ، فواجب على المطلوب أن يدفع عن نفسه ، ويكون في الكف كالأذن في قتل نفسه ، وإن كان الطالب من يزجره عن القتل عقل ودين كالمكلف من الآدميين ففي وجوب الدفع عن نفسه وجهان ذكرناهما في كتاب الجنايات :

أحدهما : يجب عليه الدفع عن نفسه ويكون آثما بالكف لقول الله تعالى : ( ولا تقتلوا أنفسكم ) [ النساء : 29 ] ولأنه يحرم عليه قتل نفسه وإباحة قتله .

والوجه الثاني : يجوز له الدفع ولا يجب عليه وإن كف لم يأثم لقول الله تعالى في ابني آدم : ( لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف