الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص452
وقال أبو حنيفة : إن كان آدمياً كالبالغ العاقل كانت نفسه هدراً ، حراً كان أو عبداً ، وإن كان غير مكلف كالصبي والمجنون أو كان بهيمة كالفحل الصائل كانت نفسه مع إباحة قتله مضمونة بدية الأذى وقيمة البهيمة استدلالاً بقول النبي ( ص ) : ‘ لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ) .
وهذا المال مستهلك على مالكه بغير طيب نفس منه فاقتضى أن يكون مضموناً على مستهلكة قال : ولأنه استهلك ملك غيره لإحياء نفسه فوجب إذا كان بغير إذن مالكه أن يكون ملتزماً لضمانه كالمضطر إلى طعام غيره ، وهذا أولى بالضمان ؛ لأنه على يقين من إحياء نفسه بأكل الطعام وعلى غير يقين من إحياء نفسه بهذا القتل ؛ لجواز أن يندفع عنه بغير قتل ، فلما ضمن ما يتيقن به الحياة كان أولى أن يضمن مالا يتيقن به الحياة قال : ولأن البهيمة لا قصد لها ؛ لأنها لو أتلفت شيئاً وليس صاحبها معها كان هدراً لقول النبي ( ص ) : ‘ جرح العجماء جبار ) فإذا بطل قصدها سقط حكم الصول فصار كالقاتل لها بغير صول ، فوجب عليه الضمان .
ودليلنا قول الله تعالى : ( ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم ) [ التوبة : 91 ] وهذا بالدفع عن نفسه محسن فوجب أن لا يكون عليه سبيل في الغرم وقال تعالى : ( ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ) [ الشورى : 41 ] .
فإن قيل : لا ينسب إلى غير المكلف ظلم .
قيل : الظلم وضع الشيء في غير موضعه فصار الدافع مظلوماً وإن لم ينسب إلى المدفوع يرفع القلم عنه ظلم وروي عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ لا يحل ما امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ) فاقتضى ظاهره أن لا يؤخذ منه غرم ما لم تطب نفسه به .
ومن الاعتبار : أنه إتلاف بدفع مباح فوجب أن يسقط فيه الضمان قياساً على قتل البالغ العاقل المكلف .
فإن قيل : المعنى في المكلف أنه قد أباح قتل نفسه بالطلب ولا يصح من غير المكلف إباحة نفسه بالطلب ؛ لأنه لا حكم لقصده .