الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص443
الله ( ص ) جهزهم على إجماعهم أن البداية بالمرتدين أولى ، ولأن الردة عن الإسلام أغلظ من الكفر الأصلي لثلاثة معان :
أحدها : أنه لا يقر على ردته وإن أقر الكافر على كفره .
والثاني : أنه يتقدم إسلامه قد أقر ببطلان الدين الذي ارتد إليه ، ولم يكن من الكافر إقرار ببطلانه .
والثالث : أنه يفسد قلوب ضعفاء المسلمين ويقوي نفوس المشركين ، فوجب لغلظ حاله أن يبدأ بقتال أهله ، فإذا أراد قتالهم لم يبدأ به إلا بعد إنذارهم وسؤالهم عن سبب ردتهم ، فإن ذكروا شبهة أزالها ، وإن ذكروا مظلمة رفعها ، فإن أصروا بعد ذلك على الردة قاتلهم ، وأجرى على قتالهم حكم قتال أهل الحرب من وجه ، وحكم قتال أهل البغي من وجه .
فأما ما يساوون فيه أهل الحرب من أحكام قتالهم ويخالفون فيه أهل البغي فمن أربعة أوجه :
أحدها : أنه يجوز أن يقاتلوا مدبرين ومقبلين ، ولا يقاتل أهل البغي إلا مقبلين .
والثاني : يجوز أن يوضع عليهم البيان والتحريق ، ويرموا بالقرادة والمنجنيق ، ولا يجوز ذلك في أهل البغي .
والثالث : إباحة دمائهم أسرى وممتنعين ، ولا يجوز ذلك في أهل البغي .
والرابع : مصير أموالهم فيئاً لكافة المسلمين ، ولا يكون ذلك في أموال أهل البغي .
وأما ما يوافقون فيه أهل البغي ويخالفون فيه أهل الحرب فمن أربعة أوجه :
أحدها : انهم لا يهادنوا على الموادعة إقراراً على الردة وإن جاز مهادنة أهل الحرب .
والثاني : إنه لا يجوز أن تؤخذ منهم الجزية ولا أن يصالحوا على مال يقروا به على الردة وإن جاز ذلك في أهل الحرب .
والثالث : أنه لا يجوز أن يسترقوا وإن جاز استرقاق أهل الحرب .
والرابع : أنه لا يجوز أن تسبى ذراريهم ولا تغنم أموالهم وإن جاز ذلك في أهل الحرب والله أعلم .