الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص427
وفيه انزل الله تعالى : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً ) [ النساء : 65 ] ولم يعزره وإن كان ما قاله يقتضيه .
ولأن التعزير تأديب فأشبه تأديب الأب والمعلم ، ولذلك قال عثمان وعبد الرحمن لعمر رضي الله عنهم في إجهاض المرأة : لا شيء عليك إنما أنت معلم .
فإذا صح جواز العفو عنه فهو ضربان :
أحدهما : ما تعلق بحق الله تعالى .
والثاني : ما تعلق بحقوق الآدميين .
فأما المتعلق بحقوق الله تعالى : فكالتعزير بأسباب الزنا والسرقة وشرب الخمر فللإمام أن ينفرد بالعفو عنه إذا رأى ذلك صلاحاً له . وله أن يستوفيه ويكون موقوفاً على خياره في الصلح .
وأما المتعلق بحقوق الآدميين فكالمواثبة والمشاتمة . ففيه حق للمشتوم والمضروب وحق الإمام في التقويم والتهذيب . فلا يصح العفو عن التعزير فيه إلا باجتماعهما عليه . فإن عفا الإمام عنه لم يسقط حق المضروب منه ، وكان له المطالبة به . وإن عفا عنه المضروب والمشتوم نظر في عفوه فإن كان بعد الترافع إلى الإمام لم يسقط حق الإمام فيه ، وإن كان له أن ينفرد بتعزيره إلا أن يعفو عنه .
وإن كان قبل الترافع إلى الإمام ففي سقوط حق الإمام منه وجهان :
أحدهما : وهو قول أبي عبيد الله الزبيري : قد سقط حقه منه ، وليس له التعزير فيه ، كالعفو عن حد القذف يمنع الإمام من استيفائه .
والوجه الثاني : وهو أظهر لا يسقط حق الإمام منه ؛ لأن التقويم فيه من حقوق المصالح العامة ، فلو تشاتما ، وتواثب والد مع ولده ، سقط تعزير الوالد في حق ولده ولم يسقط تعزير الولد في حق والده ؛ لأن الوالد لا يحد لولده ويحد الولد لوالده . ولا يسقط حق الإمام في تعزير كل واحد منهما ، فيكون تعزير الوالد مختصاً بالإمام مشتركاً بين الوالد والإمام .
وقال أبو حنيفة : لا يضمنه في الحالين سواء أوجبه ، أو أباحه كالحدود ؛ لحدوثه عن تأديب مستحق . ودليلنا قضية عمر رضي الله عنه في إجهاض المرأة جنينها حين بعث إليها رسولا