الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص413
ومن الاعتبار أنه حد يجب على الحر ، فلم يتقدر بالأربعين كالقذف ولأن حد القذف أخف ، وحد الشرب أغلظ لما في النفوس من الداعي إليه ، وغلبة الشهوة عليه ، فكان إن لم يزد عليه فأولى أن لا ينقص عنه ، ولأن الزيادة على الأربعين لو كانت تعزيراً لم يجز أن تبلغ أربعين ، لأن التعزير لا يجوز أن يكون مساوياً للحد .
ودليلنا مع ما قدمناه في صدر الباب من حديث عبد الرحمن بن أزهر ما رواه حصين بن المنذر أبو ساسان الرقاشي قال : شهدت عثمان بن عفان ، وقد أتي بالوليد بن عقبة فشهد عليه حمران ورجل آخر . شهد أحدهما أنه شرب الخمر ، وشهد الآخر أنه تقيأها فقال عثمان : ما تقيأها حتى شربها فقال لعلي : اقم عليه الحد .
فقال علي للحسن : أقم عليه فقال الحسن : ولي حارها من تولى قارها أي : ولي صعبها من تولى سهلها .
فقال علي لعبد الله بن جعفر : أقم عليه الحد فجلده عبد الله بالسوط وعلي يعد ، فلما بلغ أربعين قال : حسبك جلد رسول الله ( ص ) أربعين وجلد أبو بكر أربعين وجلد عمر ثمانين : وكل سنة أحب إلي وهذا نص من وجهين :
أحدهما : ما أخبر به عن رسول الله ( ص ) من اقتصاره على الأربعين .
والثاني : إخباره بأن كلا العددين سنة يعمل بها ويصح التخيير فيها .
ومن القياس أنه سبب يوجب الحد فوجب أن يختص بعدد لا يشاركه غيره ، كالزنا والقذف .
فإن قيل : فوجب ألا يقدر بأربعين كالزنا والقذف ، قيل : الحدود موضوعة على الاختلاف في المقدار ، لاختلافها في الأسباب ، فجاز لنا اعتبار بعضها ببعض في التفاضل ، ولم يجز اعتبار بعضها ببعض في التماثل .
ولأن الحدود تترتب بحسب اختلاف الإجرام ، فما كان جرمه أغلظ كان حده أكثر .
ولأن الزنا لما غلظ جرمه للاشتراك فيه غلظ حده .
والقذف لما اختص كان حده اكثر بالتعدي إلى واحد كان أخف من الزنا .
والخمر لما اختص بواحد لم يتعد عنه ، وجب أن يكون أخف من القذف ، فأما الجواب عن حديثي أنس وأبي سعيد فمن وجهين :