الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص405
وتأثير نسخ الشرب في هذه الأوعية في الكراهة دون التحريم ، فمن ذهب إلى أنها منسوخة كره أن يشرب منها إلا ما يسكر ومن قال هي منسوخة لم يكره شرب ما لا يسكر منها ، وهو مذهب الشافعي في الجديد ، والأول مذهبه في القديم .
وأما الجواب عن آثار الصحابة رضي الله عنهم فقد روينا عنهم ما يخالفه . وهو اصح إسناداً ، وأشبه بأفعالهم وتشددهم في دين الله ، واجتناب محظوراته ، وشرب عمر من إداوة حد شاربها فلأن عمر شرب قبل إسكارها ، وشرب الرجل بعد إسكارها ، وما ذكره من شرب ابن أبي ليلى عند علي فلا يجوز أن يحكى مثله .
وأما الجواب عن استدلالهم بالمعاني : بأنه لما انتفى عن النبيذ حكم الخمر في تكفير مستحله ، انتفى عنه حكم الخمر في الاسم والتحريم فمن ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه ليس المراد إذا افترقا في حكم يجب أن يفترقا في كل حكم . ألا ترى أنهما قد استويا في تحريم الكثير وافترقا عنده في تحريم اليسير ، ولم يكن الفرق في اليسير مانعاً من التساوي في الكثير . كذلك لا يكون افتراقهما في التكفير موجباً لافتراقهما في التحريم .
والثاني : أنه ليس يمتنع أن يقع التساوي في التحريم مع الافتراق في التكفير . ألا ترى أن الكبائر والصغائر يستويان في التحريم ويفترقان في التكفير فيكفر باستحلال الكبائر ولا يكفر باستحلال الصغائر ، كذلك الخمر والنبيذ لا يمنع افتراقهما في التكفير استواءهما في التحريم .
والثالث : أنه ليس التكفير علة التحريم حتى يستدل بزوال التكفير في استحلال النبيذ على إباحته ، كما دل التكفير في استباحة الخمر على تحريمه ، وإنما العلة في التكفير ارتفاع الشبهة عما استحل من الحرام وهذا موجود في الخمر ، معدوم في النبيذ ، كما يقول أبو حنيفة : إن النبيذ النيء محرم ، ولا يكفر مستحلة .
والجواب على أن ما عمت به البلوى يجب أن يكون مستفيضاً فمن ثلاثة أوجه :
أحدها : أن الاستفاضة يجب أن تكون في البيان لا في النقل ، وقد استفاض البيان ، لأن رسول الله ( ص ) أمر مناديه فنادى به ، وقد أخبر أبو طلحة بالنداء وهو على شراب ، فأمر أنساً بإراقته .
والثاني : أن النقل والبيان معاً مستفيضان ، وإنما وقع الخلاف في التأويل في البيان .
والثالث : أن بيانه مأخوذ من نص الكتاب في قوله تعالى : ( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون )