الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص399
فإن قيل : فلو كان كذلك لوجب أن يكون كل حامض خلا ؛ لأنا نراه خلا إذا حدثت فيه الحموضة ، وغير خل إذا ارتفعت عنه الحموضة .
فإن لم يكن كل حامض خلا لم يكن كل مسكر خمراً قيل : صحة التعليل موقوف على اطراده ، وهو في الخمر مطرد فصح وفي الخل غير مطرد فبطل .
ومنها : أنه لما كان قليل الخمر مثل كثيره وجب أن يكون قليل النبيذ مثل كثيره ؛ لأنهما قد اجتمعا في حكم الكثير فوجب أن يستويا في حكم القليل .
وتحريره قياساً أنه شراب مسكر فوجب أن يستوي حكم قليله وكثيره كالخمر .
فإن قيل : لا يصح اعتبار القليل بالكثير في التحريم ؛ لأن كثير السقمونيا وما أشبهه من الأدوية حرام ، وقليله غير حرام .
قيل لأن تحريم السقمونيا لضرر هو موجود في الكثير دون القليل ، وتحريم الخمر لشدته ، وهي موجودة في الكثير والقليل ، فإن منعوا من التعليل فقد تقدم الدليل ثم يقال : لما لم يمنع هذا من التسوية بين قليل الخمر وكثيره لم يمنع من التسوية بين قليل النبيذ وكثيره .
ومنها أن دواعي الحرام يتعلق بها حكم التحريم لأن تحريم المسبب يوجب تحريم السبب ، وشرب المسكر يدعو إلى السكر ، وشرب القليل يدعو إلى شرب الكثر فوجب أن يحرم المسكر لتحريم السكر ويحرم القليل لتحريم الكثير .
فإن منعوا من هذا بقبلة الصائم تدعو إلى الوطء ولا تحرم عليه لتحريم الوطء .
قيل : إذا دعت إلى الوطء حرمت .
وإنما يباح منها ما لم يدع إلى الوطء .
ومنها : أن أبا حنيفة علق على طبخ الأشربة حكمين متضادين ، فجعله محلا للحرام ، ومحرماً للحلال ، لأنه يقول : إذا طبخ الخمر حل ، وإذا طبخ النبيذ حرم ، وهذا فاسد من وجهين :
أحدهما : أنه علق عليه حكمين متضادين .
والثاني : أنه جعل له تأثيرا في التحليل والتحريم ، ومعلوم أن ما حل من لحم الجمل لم يحرم بالطبخ ، وما حرم من لحم الخنزير لم يحل بالطبخ ، فوجب إسقاط تأثيره .
وقد ثبت أن نيء الخمر حرام فكذلك مطبوخه ، وان مطبوخ النبيذ حرام فكذلك نيئه .