پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص398

يجمعون بينها لقوة شدتها وكثرة لذتها ويسمونه نبيذ الخليطين .

والثاني : أنه بعد التحريم ؛ لأن جمعها يعجل حدوث السكر منها ليدوم عليهم مكث ما لا يسكر إن انفرد ، ولا يتعجل إسكاره إذا اجتمع .

فهذه دلائل النصوص والظواهر من السنن والآثار فأما دلائل ما يوجبه الاعتبار من المعاني والعلل فمن وجوه .

منها : الاشتقاق وهو : أن الخمر سمي خمراً لأحد وجهين .

إما لأنه خامر العقل أي غطاه . وهو قول عمر .

أو لأنه يخمر أي يغطي ، ومن أيهما اشتق فهو في النبيذ ، كوجوده في الخمر فوجب أن يشترك في الاسم ؛ ولذلك قالوا لمن بقيت فيه نشوة السكر : مخموراً ، اشتقاقاً من اسم الخمر ، سواء كان سكره من نبيذ أو خمر من غير فرق ، ولو افترقا في الاسم لافترقا في الصفة فقيل له في نشوة النبيذ : منبوذاً ، كما قيل له في نشوة الخمر : مخموراً .

فإن قيل فهذا معارض بمثله ، لأنهم قالوا : في خل العنب : خل الخمر ، ولم يقولوا في خل التمر : خل الخمر . فإن دل ما نص على اشتراكهما في الاسم دل هذا على افتراقهما فيه .

قيل : هذه التسمية مجاز ، وليست بحقيقة يستمر فيها قياس ، ويصح فيها اشتقاق ؛ ولأن خل العنب لا يسمى خمراً ، وإن حدث عن العنب ، كما لا يسمى التمر نبيذاً ، وإن حدث عن التمر ، ولو كان لهذه العلة سمي خمر العنب : خل الخمر لوجب بهذه العلة أن يسمى خل التمر خل النبيذ ، وفي فساد هذا التعليل بطلان هذا التعارض .

ومنها المعنى : وهو أن الخمر مختص بمعنيين ، صفة بخله وهي الشدة المطربة ، وتأثير يحدث عنه وهو السكر يثبت بها اسم الخمر وتحريمه ويزول بارتفاعها اسم الخمر وتحريمه ؛ لأنه إذا كان عصيراً ليس فيه شدة ، ولا يحدث عنه إسكار ، ولم ينطلق عليه اسم الخمر ، ولم يجر عليه حكمه في التحريم وإذا حدثت فيه الشدة المطربة ، وصار مسكراً انطلق عليه اسم الخمر ، وجرى عليه حكمه في التحريم .

فإذا ارتفعت الشدة وزال عنه الإسكار ، ارتفع عنه اسم الخمر ، وزال عنه حكم التحريم ، فدل على تعلق الاسم والحكم بالصفة والتأثير دون الجنس ، وقد وجدت صفة الشدة وتأثير السكر في النبيذ ، فوجب أن يتعلق به اسم الخمر وحكمه في التحريم ؛ ولأن ما زالت عنه الشدة لم يختلف باختلاف أجناسه ، كذلك ما جلبته الشدة لم يختلف باختلاف أجناسه .