پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص356

أحدهما : أن المراد به كفهم عن الأذى ، وإبعادهم لا يكفهم عن الأذى ، والحبس يكفهم عنه فكان هو المراد به .

حكى مكحول أن عمر بن الخطاب أول من حبس في السجون وقال احبسه حتى أعلم منه التوبة ولا أنفيه إلى بلد فيؤذيهم .

والثاني : أنه جعل النفي حداً فاقتضى أن يتوجه إلى غير أصحاب الحدود المتقدمة والشافعي جعله متوجهاً إليهم فخالف الظاهر ، واستدل له ابن قتيبة بأن العرب تجعل الحبس نفياً لقول بعض المسجونين من شعراء العرب :

( خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها
فلسنا من الأحياء فيها ولا الموتى )
( إذا جاءنا السجان يوما لحاجة
عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا )

ودليلنا قول الله تعالى ( أو ينفوا من الأرض ) فاقتضى الظاهر أن يكون النفي راجعاً إلى جميعهم ، ولا يكون راجعاً إلى جميعهم إلا على قولنا أن يطلبوا لإقامة الحدود عليهم فيهربوا ، وهو على قول أبي حنيفة راجع إلى بعضهم .

فإن قيل : فالله تعالى قد أمر بنفيهم ومذهبكم يبعث على أن ينفوا أنفسهم .

قيل : إذا نفوا أنفسهم لطلب الإمام لهم صار الإمام هو الذي نفاهم ، ويدل عليه قول ابن عباس ، فإن هرب فذلك نفيه وقوله مع عدم المخالف حجة ؛ ولأن الحبس لا يسمى نفياً ؛ لأنه إمساك والنفي إبعاد فصارا ضدين .

فأما الجواب بأن المقصود بالنفي الكف ، والحبس كف ، قلنا : الطلب لإقامة الحد أبلغ من الكف ، وأما الجواب عن قولهم : إنه حد فوجب حمله على ما تقدم فهو أنه حد في غير ما تقدم ؛ لأن المتقدم حد في المقدور عليه وهذا حد في غير المقدور عليه ، وأما الشعر فلا دليل فيه ؛ لأنه جعل الحبس نفياً من الدنيا ولحوقاً بالموتى وهو بخلاف ما قال فبطل الاستدلال .

( فصل )

فإذا تقرر ما وصفنا من ترتيب الأحكام المختلفة على ما بيناه من الأفعال المختلفة فشرح المذهب في كل فعل وحكمه أن يعتبر ما فعله كل واحد من أهل المحاربة ، فمن قتل منهم ولم يأخذ المال روعي حال المقتول ، فإن كان مكافئاً للقاتل قتل به القاتل ، وكان قتله منحتما لا يقف على خيار الولي ، ولا يصح العفو عنه فيتغلظ في الحرابة بانحتامه ، وقال أبو حنيفة : لا يتحتم قتله ويكون موقوفاً على خيار الولي في أن يقتص أو يعفو أو يأخذ الدية أو يعفو عنها إلا أن ينضم إلى القتل أخذ المال فينحتم قتله ولا يقف وعلى خيار الولي ؛ لقول الله تعالى : ( فقد جعلنا لوليه سلطان )