الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص339
دعوى السارق ردت اليمين على السارق فإذا حلف حكم له بملك ما سرق ولم يجب عليه قطعه كالزوج القاذف إذا لاعن سقط الحد عنه بإبهامه . ولو كانا سارقين فادعى أحدهما أنها ملكه دون الآخر سقط القطع عن مدعيها ولم تسقط عن الآخر سواء تصادق السارقان عليها أو تكاذبا ؛ لأن شبهة أحدهما لا تقف على شبهة الآخر .
قال الماوردي : قد مضت هذه المسألة في حبس السارق إذا كان المسروق منه غائباً لم يعجل قطعه وهو مذهب الشافعي فإنه يحبس ما لم تطل غيبة ربها إذا كانت السرقة مستهلكة ، وفي حبسه إذا كانت باقية وجهان ، فإن كانت غيبة ربها بعيدة لم يحبس ، لأنه لا تعلم عودته ثم ينظر فإن كان الحبس مستحقاً لغرم السرقة طولب بكفيل وأطلق ، وإن كان لأجل القطع ، لأن العين قائمة وضعت السرقة في يد أمين ولم يطالب بكفيل ؛ لأن حدود الله تعالى لا تصح فيها الكفالات ، فلو امتنع رب السرقة من إقامة كفيل حبس على إقامة الكفيل لا على قدوم الغائب ، فإن بذل غرم السرقة لم يحبس ولا يكفل ؛ لأن بذل الغرم أقوى من الكفالة وأطلق ، ووضع الغرم على يد أمين .
قال الماوردي : وهو الصحيح ؛ لأن في السرقة حقين :
أحدهما : لآدمي وهو المال .
والثاني : لله تعالى وهو القطع .
والأموال تستحق بشاهد وامرأتين ، وشاهد ويمين ، والحد لا يجب إلا بشاهدين ، فإذا شهد على السارق شاهد وامرأتان ، أو شاهد ويمين ، وجب الغرم ولم يجب القطع .
فإن قيل : فقتل العمد يوجب القود والدية فهلا إذا شهد به رجل وامرأتان يحكم عليه بالدية لأنها مال ، ولا يحكم بالقود لأنه حد ؟
قيل : لا يحكم ذلك إلا في قتل العمد لوقوع الفرق بينهما ؛ لأن الدية بدل من القود ؛ لأنهما لا يجتمعان فلم تثبت الدية إلا بثبوت القود ، وليس الغرم بدلاً من القطع ؛ لأنهما يجتمعان فجاز أن يثبت الغرم وإن لم يثبت القطع .