الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص333
أحدهما : وهو ظاهر كلامه في هذا الموضع : أنه يقبل رجوعه ويسقط عنه القطع كالزنا .
والقول الثاني : أنه لا يقبل رجوعه ويقطع كما لا يقبل رجوعه عن القذف في سقوط الحد ، ولأن السرقة يتعلق بها حق آدمي لا يقبل رجوعه فيه فكان حق الله تعالى في القطع تبعاً له ، بخلاف الزنا المختص بحق الله تعالى وحده ، فإن رجع عن الإقرار بشرب الخمر سقط عنه الحد قولاً واحداً كالزنا ؛ لاختصاصه بحق الله تعالى وحده .
فإذا تقرر توجيه القولين .
فإن قيل : بأن رجوعه غير مقبول قطع ، فإن هرب لم يطلب .
روى عطاء بن السائب عن ميسرة قال : جاء رجل وأمه إلى علي عليه السلام فقالت الأم : إن ابني هذا قتل زوجي ، فقال الابن ، إن عبدي وقع على أمي فقال علي : إن تكوني صادقة يقتل ابنك ، وإن يكن ابنك صادقاً نرجمك ثم قام علي عليه السلام للصلاة ، فقال الغلام لأمه : ما تنتظرين أن يقتلني أو يرجمك فانصرفا ، فلما صلى سأل عنهما فقيل انطلقا فلم يطلبهما ، وإن قيل : إن رجوعه مقبول لم يخل السارق عند رجوعه من ثلاثة أحوال :
أحدها : أن يكون قد قطع ، فلا يكون لرجوعه تأثير .
والحال الثانية : أن يكون سليماً لم يقطع ، فسقط القطع عنه ، فإن قطع بعد ذلك كانت جناية من قاطعه يؤخذ بحكم جنايته .
والحال الثالثة : أن يكون بعد الشروع في القطع وحز السكين في يده فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يمكن بقاؤها على زنده بعد عمل السكين فيها فالواجب أن تستبقا ولا تفصل من زنده ، سواء انتفع بها أو لم ينتفع إذا لم يستضر بها .
والضرب الثاني : أن لا يمكن بقاؤها على زنده لانفصال أكثرها فلا تلزم إبانتها في حق السرقة لسقوطه عنه ، وقيل له : إن شئت أن تفعل ذلك في حق نفسك ومصلحة جسدك فافعل ، وإن تركتها على حالها لم تمنع .
فإن أقر بالسرقة نفسان عن اشتراك فيها ثم رجع عنها أحدهما دون الآخر سقط القطع عن الراجع منهما دون الآخر ؛ لأن لكل واحد منهما حكم نفسه وإن اشتركا .